Site icon IMLebanon

 القضية الكردية؛ العرب هم الحلفاء الممكنون

أعلنت حكومة رجب أردوغان أنها تقصف أكراد»ها»، لا الأكراد السوريين. وهي تقصفهم بموافقة أكراد العراق (جناح البرزاني)؛ فهي، إذاً، تقدم نفسها، بوقاحة، كصديقة للأكراد خارج حدودها، بينما أكراد»ها» إرهابيون، رغم أن مطالبهم لا تذكر بالمقارنة مع وضع كردستان العراق، شبه الانفصالي، ووضع أكراد سوريا، الحالمين بالوضع نفسه، حتى لو كان هذا المشروع بلا أساس جغرافي أو قومي أو أخلاقي؛ ذلك أن أكراد سوريا، في معظمهم، مهاجرون من تركيا (عقب قمع ثورة الشيخ سعيد بيران 1925، وتالياً بسبب الصراع مع الجيش التركي).

والتجمعات الكردية في سوريا (في الحسكة وعفرين وعين العرب)، منفصلة عن بعضها بعضاً، بمسافات وأقوام. وكان مطلب تلك التجمعات، هو الحصول على الجنسية السورية. وقد تمت الاستجابة لهذا المطلب منذ العام 2011.

المقاتلون الأكراد في تركيا وسوريا، ينتمون إلى التيار السياسي نفسه، أي حزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبدالله أوجلان؛ ومنه تتفرّع ثلاثة أحزاب هي حزب الاتحاد الديموقراطي السوري، وحزب الحياة الحرة الإيراني وحزب الحل الديمقراطي العراقي.

يسيطر حزب العمال على الفضاء السياسي الكردي في تركيا. وهو عمود حزب الشعوب الديموقراطي، الفائز بثمانين مقعدا في البرلمان التركي. وهو ظهير «وحدات حماية الشعب» المقاتلة في شمالي سوريا، حيث حققت انجازات ملموسة في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي المرتبط بالإخوان المسلمين الحاكمين في أنقرة.

كان أردوغان يراهن على «داعش» لتحطيم المقاومة الكردية، ابتداءً من عين العرب ــــ كوباني، لكن ما حدث، ميدانياً، هو العكس؛ فقد تمكنت «الوحدات» من هزيمة الدواعش، والتمدد، بدعم أميركي، خارج حدود التجمعات الكردية. هل توهّم قادة « الاتحاد الديموقراطي» أن بإمكانهم إنشاء كيان متصل، يضم قوميات مختلفة، بمحاذاة الحدود السورية ــــ التركية؟ يبدو أن ذلك الوهم قد سيطر، بحيث وضع أكراد سوريا، أنفسهم، في حالة تناقض مع العشائر العربية في الجزيرة الفراتية، ومع دمشق التي هضمت مشروع الإدارة الذاتية في ثلاثة تجمعات منفصلة، ولكنها لا تقبل، بالطبع، بدويلة كردية موازية.

في الخندق المضاد، أصبحت تلك الدويلة المحتملة تشكّل تهديدا حاضرا وبعيد المدى، لأنقرة. والأخيرة وجدت نفسها أمام خيارين، إما أن تسمح بتمدد كردي سوري سيشكل قاعدة معادية، وإما التخلّي عن الحليف الداعشي، ولو سياسياً، والانخراط في التحالف الأميركي ضد الإرهاب، بما يسمح للجيش التركي، الحصول على غطاء سياسي لضرب مقاتلي حزب العمال، وضرب أنصارهم من «وحدات حماية الشعب»، وطردها من «المنطقة الآمنة،» لصالح تنظيم «داعش؛» فلا توجد في المنطقة، في واقع الحال، قوة سواها تملأ الفراغ.

تقليدياً، يطيش الكرد على شبر ماء؛ يظنون أن الدولة مكسب يأتي بمصادفات دولية واقليمية، مصادفات ينبغي اغتنامها من دون حسابات استراتيجية؛ طيشٌ جذّره نجاح كردستان العراق بالحكم الذاتي شبه الإنفصالي. لكن هذا النجاح نفسه، مؤقت ومرهون باستمرار النزاع السني ــــ الشيعي لدى عرب العراق؛ غير أن هذا النزاع، سيزول في النهاية. وربما كان من عوامل زواله، وحدة المصالح العربية العراقية في مواجهة الانفصال والتمدد الكرديين.

لم يسر حزب العمال الكردستاني وراء مبادئه الكفاحية المعلَن عنها؛ تراجع عن هدف بناء الدولة الكردية، لصالح عملية سياسية، مديدة وسطحية، مع سلطة الإخوان المسلمين؛ منح الحزب، وبطله أوجلان، رجب أردوغان فترة سلام وثقلا انتخابيا ساهما في توطيد حكمه، إلا أنه حالما استرجع أكراد تركيا، القسم الأساسي من أصواتهم، من صندوق الإخوان المسلمين، إلى صندوق حزب الشعوب (التحالف الكردي ــــ اليساري)، حتى أوقفت أنقرة «العملية السلمية»، وبدأت الحرب.

هل تفضي هذه التطورات إلى وأد وهم السلام مع الإخوان المسلمين في تركيا، ووهم الانفصال، بحماية أميركية، عن دمشق، أم أن الأكراد أصبحوا مدمنين على الوقوع في حبائل الخديعة؟

كرديا، الفرصة، الآن، مواتية للمقاومة المسلحة؛ فحكومة أردوغان عرجاء بلا أغلبية برلمانية ــــ ولم يعد ممكنا استعادتها ــــ والداخل التركي منشق على نفسه بصدد السياسات الخارجية ومصير العلمانية، وأنقرة مشتبكة مع دمشق (وإلى حد كبير مع بغداد) في حالة عداء عميقة، ووحدات حماية الشعب تمتلك شرعية القتال ضد الإرهاب. وفوق ذلك كله، يأتي تهديد تنظيم « داعش»، المنتشر والمتجذّر تركيّاً، والذي غدا ينظر إلى أردوغان كخائن.

يتطلب الموقف، اليوم، الذهاب نحو صوغ استراتيجية كردية تحدّد العدوّ، وتكسب الحلفاء. العدو هو تركيا المتمسكة برفض منح أي حقوق قومية للأكراد، وتصر على مطاردتهم بالنار، بينما يوجد قبول سياسي عراقي ــــ سوري، بتسوية الوضع الكردي بصورة ودية؛ فالكيان الكردي منصوص عليه في الدستور العراقي، في حين توافق القيادة السورية ــــ وفقا لتصريحات وزير الخارجية، وليد المعلم ــــ على صيغة الإدارة الذاتية، في إطار وحدة أراضي الجمهورية وسيادتها.

بغداد ودمشق، هما الحليفتان الممكنتان للمشروع التحرري الكردي. وإذا كان حزب العمال، هو طليعة ذلك المشروع؛ فالمطلوب منه أن يبلور سياسات كردية جديدة، حيال العراق، تتمحور حول رفض سياسات الانفصال والتوسّع وإيذاء المصالح العراقية؛ وحيال سوريا، بانتقال حزب الاتحاد الديموقراطي من التنسيق الميداني، المشوب بالتوتر مع الجيش السوري، إلى الاندراج، سياسيا وميدانيا، في تحالف متين، ودّي، واضح، سليم النوايا، مع دمشق.