IMLebanon

النفط الكردي الغزير في إسرائيل

من “زيارتي” الأخيرة للصحافة الورقية الأجنبية، وهو “تقليد” لا زال له معنى! وضرورة، استوقفني خبرٌ ومقالة، الأول في “الفايننشال تايمز” في عدد الرابع والعشرين من آب الجاري والثانية في”النيويورك تايمز” أمس الأول في الخامس والعشرين منه .

الخبر نقلته الصحيفة اللندنية في تقريرها الرئيسي في صدر الصفحة الأولى وهو تحوّل إقليم كردستان العراقي إلى المصدر الرئيسي لتموين إسرائيل من النفط بحيث تجاوزت النسبة في “الأشهر الأخيرة” ثلاثة أرباع الكميات النفطية التي تحتاجها إسرائيل ومعدل استهلاكها اليومي هو 240 ألف برميل يوميا. وتحدِّد الصحيفة الكمية بأنها “أكثر من 19 مليون برميل بين بداية أيار و11 آب” المنصرمين وصلت للموانئ والمصافي الإسرائيلية من ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط عبر أنبوب النفط الذي يربط كردستان العراق بتركيا. وتضيف الصحيفة، المحترمة جدا (والمسلّية في آنٍ معا) أن هذه الكمية تعادل 77 بالماية من المعدل العام للاحتياجات الإسرائيلية للفترة نفسها.

بماذا يذكِّرنا هذا الخبر؟

يذكّرنا من دون أي تعامل فجائعي مع الموضوع… بالتالي:

1- أن هذا الوضع الكردي العراقي يتم بمساعدة تركية وغض نظر إيراني. ولنلاحظ أن فترة ازدياد التصدير هي أشهر انتقال الاتفاق الإيراني الأميركي إلى مرحلة التوقيع النهائي الذي حصل في تموز. طبعا السياسة الواقعية من العلاقات الكردية مع إسرائيل هي سياسة سابقة بسنوات لتلك الفترة وهي إحدى معادلات الوضع الجديد في المنطقة الذي يجعل كردستان على علاقة جيدة بإيران وتركيا وإسرائيل وسيئة ببغداد بمعزل عن مسؤولية الوضع البائس في بغداد في تردّي هذه العلاقة بوجهيها: ضمن “الدولة” العراقية الواحدة إسميا أو بين الدولتين العراقية والكردية فعليا.

2- أن هذه قد تكون على الأرجح صورة ” الفدرالية العربية” في المدى الأطول. دولة واحدة شكلية تكون غطاءً لدولتين أو أكثر. دولة واحدة تراعي المعادلات الدولية المفروضة في القانون الدولي وهي نفسها دويلات متعددة لا الوجود فقط بل العلاقات. فهل هذه ستكون صورة سوريا الحل السلمي الذي بدأ البحث عنه على ما يبدو: مركز لدولة رئيسية ودويلة أو ودويلات أطراف تحت مظلة فدرالية دولة واحدة. المهم في الموضوع أن لكل دويلة حامياً إقليميّاً ودوليّاً وهكذا يتحقق السلام الذي يراعي الكتل الكبرى المحلية ويتحقّق معه التوازن بين المصالح الدولية: في حالة سوريا وهي متداخلة بين موسكو وواشنطن وإيران وتركيا والسعودية وإسرائيل.

سايكس بيكو لن يموت بشكل تقليدي. سيموت على الطريقة العراقية: حيّا ونابضاً بالبرلمانات والنفط.

أما المقالة فهي افتتاحية التحرير في “النيويورك تايمز”، وهذه عادةً في القضايا الكبيرة للسياسة الخارجية افتتاحية توجيهية وتكون وفقا للتجربة، مبنية على معلومات أساسية وليس مجرد رأي. أحد آخر أكبر المواضيع التي كان لهذا النوع من المقالة الموقعة باسم الصحيفة ككل، موقفها في الأشهر التي سبقت إنهاء الحصار الاقتصادي والسياسي الأميركي لكوبا والتي دعت فيها الصحيفة إلى ذلك وواكبت خطوات الرئيس باراك أوباما في هذا السياق حتى لحظة الإعلان عنها وأيدتها. الموضوع الثاني الأكبر كان تأييدها للاتفاق الأميركي الإيراني.

هذه الافتتاحية عنونت نفسها قبل يومين: فتح باب الديبلوماسية في سوريا.

المقالة تعلن أن اللقاءات بين الأطراف الكبيرة في الأزمة السورية باتت مقتنعة بلا بديل الحل السياسي وأنها، خصوصا بعد الاتفاق النووي، دخلت في محاولة استكشاف إمكانيات هذا الحل. طبعا لا تتوقع الصحيفة أي نتائج سريعة بل هي تأخذ على المباحثات المعلنة وغير المعلنة أنها لم تقدِّم بعد صيغاً قابلة للاتفاق.

أهمية هذه الافتتاحية أنها تعلن بل تؤكِّد المرحلة الجديدة في المنطقة. وهذا ما نحتاج كمراقبين للتعوُّد عليه، ليس باعتباره سيحمل انقلابات سريعة ولكن باعتباره بداية تفاعلات عميقة والأرجح نازعة نحو التسويات البطيئة.

دعونا نتذكّر نحن اللبنانيين أن الهدف الدولي لإنهاء الحرب اللبنانية تحقّق عام 1982 وهو الانتهاء من نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية على الأرض اللبنانية. لكنْ ترتيب الصيغة الداخلية استغرق سبع سنوات من … التفاصيل الطاعونية حتى عام 1989.