كما في اقليم كردستان كذلك في اقليم كتالونيا: الواقع يغلب حلم الاستقلال، ان لم يجعله كابوسا. حسابات الحفاظ على حدود الدول أقوى من الشرط الانساني لوجود الشعوب. وثمن الغطلة كبير، ولو ارتكبها صاحب حق. مسعود البارزاني ربح الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، فوقع في ورطة أجبرته على الخروج من رئاسة الاقليم. وكارليس بوتشيمون ربح الاستفتاء على استقلال كتالونيا، فوجد نفسه يسلّم بقرار مدريد اقالته وحلّ حكومته وبرلمان الاقليم وفرض الحكم المباشر على كتالونيا. وكل منهما يبدو كأنه بطل في تراجيديا يونانية.
ذلك ان مسعود البارزاني الذي أعاد التذكير بالمثل القائل انه ليس للكرد صديق سوى الجبال عاش تراجيديا تتكرر. فهو ولد عام ١٩٤٦ في مهاباد عشيّة انتهاء مغامرة قصيرة العمر هي جمهورية مهاباد عندما تخلّى السوفيات عن دعمها، فلجأ والده الملا مصطفى البارزاني الى موسكو. وفي عام ١٩٧٥ وجد الملا مصطفى نفسه يوقف ما ثورته ويلجأ الى أميركا، بعدما أوقف شاه ايران دعمه ضمن الشروط التي قادت الى اتفاق شطّ العرب مع صدام حسين.
واليوم يشكو مسعود من التخلّي الأميركي والخيانة العظمى في الداخل. وليس بوشيمون سوى البطل التراجيدي الذي حاول أن يحقق حلم كتالونيا القديم.
البارزاني سمع واشنطن تطالبه بتأجيل الاستفتاء وأنقرة وطهران وبغداد تهدده، لكنه أصرّ على مواجهة القدر الاقليمي والدولي. وبوشيمون رأى نصف شعبه ضد الانفصال، وأميركا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي داعمة لوحدة اسبانيا، ومدريد تهدده بالحكم المباشر، لكنه لم يتراجع في مواجهة القدر. ومن الصعب القول ان اللعبة انتهت تماما. فالوضع الحرج في أربيل وبرشلونة ليس أقلّ حرجا في بغداد ومدريد. لا اقليم كردستان سيختفي، ولا اقليم كتالونيا. والسؤال هو: ماذا بعد؟
يانيس فاروفاكيس وزير المال السابق في حكومة تسيبراس الاشتراكية الأولى في اليونان قدّم جوابا راديكاليا: أزمة دستورية في عضو أساسي في الاتحاد الأوروبي تخلق فرصة ذهبية لاعادة تشكيل الحكم الديمقراطي في المؤسسات المحلية والوطنية والأوروبية. والحلّ يجب أن يكون أوروبيا لأزمة كتالونيا التي اعتبرها هدية من التاريخ لكي تدرك أوروبا الحاجة الى نوع جديد من السيادة يقوي المدن والمناطق.
كذلك الأمر في بغداد. فالرابح خاسر إن بقي الحكم مذهبيا. والعملية السياسية بعيدة من التوازن والديمقراطية في نظام فيديرالي. والرهان على الخلافات الداخلية بين القوى الكردية وممارسة التضييق والقوة لعبة خطرة وفاشلة جرت تجربتها في كل العهود.