على رغم القلق الشديد الذي يعتري الدوائر التركية الحاكمة من الانتصار الذي قد يحققه الأكراد في كوباني السورية على «داعش» في حال وصلت إمدادات «البيشمركة» الكردية العراقية إلى المدينة وواصل التحالف الدولي قصف قوات التنظيم المتطرف من حولها بفاعلية، فإن الحزب «العثماني» الإسلامي الحاكم في أنقرة يبتسم في سره لأن قضية المدينة المحاصرة تكاد تتحول برمتها ورقةً رابحة في يده.
وسر ابتسامة الأتراك ليس فقط لأن مقاتلين أكراداً يسقطون برصاص غير رصاص جيشهم، أو لأن دور أنقرة عاد إلى الواجهة في الأزمة السورية- العراقية بعد انحسار، بل خصوصاً لأن وصول «البيشمركة» عبر الأراضي التركية يفتدي عملياً الجيش التركي الذي رفضت قيادته السياسية إقحامه في معركة كوباني، لأسباب تتعلق بنزاعها المستمر مع الأكراد ورفضها مطالبتهم بحكم ذاتي فعلي.
وبطريقة ما، يشكل عبور المقاتلين الأكراد من العراق الى سورية في نظر أنقرة خرقاً ضمنياً، وباعتراف دولي، لاتفاق سايكس– بيكو الذي ينتقده رجب طيب أردوغان بشدة ويعتبر أن الحدود التي رسمها بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، تشكل عائقاً رئيسياً أمام فكرة «العودة» إلى المشرق العربي التي اتخذها شعاراً لحكمه.
ومع أن حسابات الأكراد لا تتطابق إطلاقاً مع حسابات الأتراك، إلا أن خرق الاتفاق الفرنسي– البريطاني الذي بدأه «داعش» بإعلانه «دولة الخلافة» على مناطق متداخلة من العراق وسورية، يغري الطرفين على حد سواء، فالأكراد أيضاً يرون فيه إحدى العقبات أمام وحدة شعبهم، ويدركون أن اضمحلال بعض الحدود قد يوسع تقاربهم ويعزز دورهم في المنطقة، من دون أن يصل الأمر إلى حد الاعتراف سياسياً وقانونياً بهذا الدور.
أما الأتراك فيبدون مطمئنين إلى أن الأكراد لن يجنوا فائدة سياسية كبيرة من خرق الاتفاق، وخصوصاً لجهة حلمهم الدائم بإنشاء «دولة مستقلة»، لأن عقبات أخرى كثيرة وكبيرة تحول دون قيامها في مناطق الانتشار الكردي، لا سيما أن «الوصلة» الرئيسية في جنوب شرق تركيا تخضع لسيطرتهم الصارمة، ولأن الأكراد في إيران لم تقم لهم قائمة بعد سحق أحزابهم وقادتهم في حملات عسكرية متتالية بين العامين 1980 و2005، واستمرار الرقابة المشددة على مناطقهم حتى الآن.
الحماسة التركية مردها أيضاً إلى أن وصول رجال «البيشمركة» العراقيين سيقلص نفوذ ودور «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، الذي تعتبره أنقرة النسخة السورية من «حزب العمال الكردستاني» وتتهمه بالعمالة للنظام السوري، بسبب فشله في الدفاع عن أكراد كوباني، بعدما تبجح رئيسه صالح مسلم بأن لديه 50 ألف مقاتل جاهزين لمواجهة «داعش».
وتركيا مرتاحة كذلك لأن النظام في دمشق لا حول له في ما يجري على الأرض السورية، على رغم محاولته «استلحاق» نفسه، بزعم أنه يقدم مساعدة عسكرية لأكراد كوباني، ولأن خرق السيادة السورية على يد الأكراد العراقيين يتم على مرأى من بشار الأسد من دون أن يستطيع اتخاذ موقف ضده، بعدما وافق هو نفسه على خرق الأميركيين وحلفائهم هذه السيادة، عندما رحب قبل أسابيع بغارات التحالف الدولي ضد «داعش».