IMLebanon

هكذا “نفد” لبنان من “خروم الشبك” في لقاءات الكويت!

 

 

قبل أن يخضع الرد اللبناني على الاقتراحات الكويتية ـ العربية المطروحة لبناء الثقة مع لبنان للبحث والتمحيص على طاولة وزراء خارجية دول الخليج بالتنسيق مع بعض الأصدقاء، سيكون من الصعب الجزم بمصيره. فالمعلومات التي تسربت من أروقة اجتماعات وزراء الخارجية العرب في الكويت أوحت بالتروي في التعاطي مع ورقتي لبنان وسوريا. فالاولوية كانت لرصد الصواريخ العابرة في اتجاه دبي وأبو ظبي بعد الرياض. وعليه ما الذي يقود الى هذا القراءة؟

 

حتى هذه اللحظة يبدو ان حجم الترددات التي تركتها الورقة اللبنانية الرسمية التي سلمت الى وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح في بيروت رداً على “اقتراحات بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج العربي” بقيت متفوّقة على تلك التي سادت اروقة اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت. حيث أمعَن اللبنانيون في إبداء ملاحظاتهم على شكلها ومضمونها والتكهن بالرد العربي والخليجي تحديدا، على رغم ان عددا ممّن تناولوها ما كانوا قد اطلعوا عليها بعدما نجح معدوها قي إبقاء مضمونها بالصيغة النهائية بعيدا من وسائل الإعلام فتركوا لمخيلات البعض التكهن بما تضمنه نصها الحرفي.

 

وفي الوقت الذي كان المراقبون يستقصون الوقائع الممكنة من كواليس لقاءات الكويت التي أجراها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في عطلة نهاية الاسبوع، كان اللبنانيون منشغلون في البحث عن الأصول الدستورية التي رافقت اعدادها وحصرها بكل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بإدارة وزير الخارجية، والاسباب التي دفعت الى ابعادها عن جدول اعمال مجلس الوزراء والمؤسسات الدستورية الاخرى.

 

وعليه، فما هو متوقع أن الجدل لن يتوقف، فالشروحات الدستورية التي ألقت الضوء على مضمون المادة ٥٢ من الدستور التي منحت رئيس الجمهورية الحق في التفاوض لعقد المعاهدات الدولية بالاتفاق مع رئيس الحكومة لم تكن قادرة على حسم الجدل. والسبب في ذلك يعود إلى ان هذه المشاورات قد توسعت لتشمل رئيس مجلس النواب وقد فاتَهم انّ الفصل بحسب الصلاحيات الدستورية في مثل هذه المهمات الدقيقة صعب، ولا يمكن ان تتجاهل الالية التي اعتمدت ما يمثله رئيس مجلس النواب في التركيبة اللبنانية بالنظر الى حساسية الموقف من بعض البنود الواردة فيها والتي تشكل انقساما حادا بين اللبنانيين عندما تصل الامور الى سلاح “حزب الله” وفق ما جاء في القرارين الدوليين 1559 و1680.

 

وان كان على رئيس الجمهورية والحكومة تجنّب الكشف عن اي مشاورات اجريت مع “حزب الله” فإنّ طرحها على بري قد يفي بالغرض، وان تحييد مجلس الوزراء كان مقصودا لاختصار الوقت وتركه غارقا في مناقشات بعض مواد الموازنة العامة التي لم يتمكن من حسمها بعد فيما ينشغل آخرون من اعضائه بالترتيبات الخاصة بانطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ولذلك فإنّ الانشغال بمضمون الورقة لم يكن امرا ملحا خصوصا ان وزير الخارجية الكويتي جعل من ورقته وكأنها رسالة خاصة الى رئيس الجمهورية ويمكن تسليمها الى كل من رئيسي مجلس النواب والحكومة لحصر المناقشات بهم. فلم يكن مطلوبا من لبنان مخاطبة اي جهة عربية أخرى لا في الامانة العامة للجامعة العربية ولا تلك الخاصة بمجلس التعاون الخليجي، وبقيت رسالة جوابية وجّهت الى “حامل الامانة” وزير الخارجية الكويتي. ولم يخاطب لبنان اياً من وزراء الخارجية الذين التقوا في لقاء تشاوري لا يلزمهم النقاش فيه بالتوصل إلى اي قرار نهائي يمكن ان يتخذ في جلسة وصفت بأنها لـ”العصف الفكري” طرحت فيها مختلف الشؤون والشجون العربية والخليجية التي تعني بلدانهم ولم يتخذوا اي قرار في شأنها.

 

وان طلب احد من المعنيين مزيدا من التفاصيل عن الآلية التي اعتمدت في تحضير الورقة فإن المعلومات تتحدث عن أن ملاحظات بري لم تصل الى عمق الورقة بمقدار ما انحصرت بتعديلات طفيفة أجريت على النسخة التي أعدها رئيس الجمهورية ووافق عليها رئيس الحكومة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر انه اقترح تشكيل لجان عربية – لبنانية متعددة بدلاً من لجنة واحدة كما اقترح تغيير بعض العبارات لتكون اكثر مرونة وقبولاً للتفسيرات المتعددة كاستبدال كلمة “تعهدات” بـ”السعي الى” لِمنع احتسابها “كالتزامات لبنانية” لا يمكن الإيفاء بها في ظل الوضع الراهن والتوازنات القائمة والتي تتحكم بالساحة الداخلية فبقيت كلها تحت سقف الخطاب الرسمي ومضمون البيان الوزاري تحديدا.

 

وان عدنا الى كواليس لقاءات الكويت لا يمكن تجاهل اهمية العناوين الاخرى التي طرحت على مجموعة الوزراء المجتمعين الى جانب الرد اللبناني. فالى الانقسام الذي شهدته المناقشات حول “ورقة لبنان” بين فريق سندان “المتشددين” – من دون الوصول الى مرحلة المطالبة بعقوبات إضافية – والذين يمثلون المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة وشاكوش “المتساهلين” والمتسامحين” الداعين الى “التروي” في الحكم على هذه الورقة. وهو ما عبّر عنه ممثلو الكويت وقطر وسلطنة عمان وهو انقسام تكرر مرة اخرى عند تسجيل المواقف من الطرح الذي يهدف الى اعادة سوريا الى جامعة الدول العربية ومؤسساتها، والذي قاده وزير خارجية السودان مدعوماً من وفدَي العراق والجزائر ووزير خارجية سلطنة عمان – على سبيل الوساطة – قبل أن يحين موعد انعقاد القمة العربية الدورية لهذه السنة في الجزائر إن عقدت في حضور شخصي او عبر وسائل التواصل الالكترونية. وقبل المتابعة الملزمة لزيارة وزير خارجية سلطنة عمان الى دمشق في الساعات الاخيرة نتيجة المشاورات التي شهدتها لقاءات الكويت لا يمكن تجاهل الاعتراف المصري بأن سوريا لم تنجز بعد كل متطلبات عودتها إلى الجامعة، ووافقه ممثل الجامعة العربية. كما لم تنته الأسباب التي أخرجتها من الهيئات والمجالس العربية منذ العام 2012 إلى أن باتت خارج السياسية منها والدفاعية والديبلوماسية والاقتصادية. وبقيت مقبولة تلبي الدعوات المتفرقة – على القطعة وحسب الظروف والحكومات العربية الداعية اليها – للمشاركة في منتديات سياحية واجتماعية وانسانية والتي عقدت في عدد من العواصم العربية والخليجية في السنوات الثلاث الاخيرة.

 

على هذه الخلفيات تجزم المراجع الديبلوماسية التي رافقت لقاءات الكويت ان لبنان “نَفد” من “خروم الشبك” هذه المرة ولم يتلق اي صدمة كانت متوقعة حتى هذه الساعة. فمعظم المشاركين في اللقاء كانوا يتابعون ما يجري في اليمن ويراقبون حركة الصواريخ البالستية و”الطائرات المسيرة” في اتجاه المنشآت الحيوية في دبي وأبو ظبي في دولة الامارات بعد جازان والرياض في السعودية، للتثبت من صحة الروايات التي أطلقت عن مسارها قبل وقوعها فعلاً. تزامناً مع انشغالهم بتعقب المعلومات عن مسار المفاوضات السعودية ـ الايرانية بعد تجميد مفاوضات فيينا وما يمكن أن تقود إليه الحملات العسكرية والديبلوماسية المتلازمة في ما بينها الى ان يحين موعد الانتهاء من اي استحقاق كبير لمعرفة النتائج التي يمكن ان ترسو عليها التسويات.