IMLebanon

هل داس اللبنانيون على اللغم؟

 

بالتأكيد، لم يكن للكويت مقدار أدنى من الشكّ في أنّ المبادرة التي حملها وزير خارجيتها الشيخ أحمد ناصر الصباح إلى لبنان ستلقى الرفض القاطع لدى «حزب الله»، وتالياً لدى الدولة اللبنانية التي لا تقطع خيطاً في المسائل الاستراتيجية إلّا بموافقته. وليس من قبيل الصدفة إطلاقاً أن تأتي المبادرة الخليجية في لحظة انسحاب الرئيس سعد الحريري تماماً، هو وتياره وبيئته، من الحياة السياسية، بناءً على طلب خليجي.

ليست المبادرة بإسم الكويت تحديداً، بل هي خصوصاً بإسم المملكة العربية السعودية صاحبة الوزن الأكبر خليجياً. والأرجح أنّها أيضاً تعبِّر عن دفع إماراتي مستجد في المواجهة. فبعد الضربات التي نفّذها الإيرانيون في أبو ظبي، مباشرة أو من خلال الحوثيين، ثمة من يعتقد أنّ انسحاب الحريري هو جزء من الردّ الخليجي.

 

في منظار الخليجيين، إنّ الحريري الذي يمتلك امتياز التمثيل الأوسع للطائفة السنّية في لبنان- ومعه أركان نادي رؤساء الحكومة السابقين- سيمنح دائماً تغطيته المقَنَّعة لـ«حزب الله» والنفوذ الإيراني في لبنان. ولأنّ كل المحاولات لثنيه عن أداء هذا الدور قد باءت بالفشل، فقد بات الخيار المتاح تغيير الحريري لا تغيير سلوكه. وبهذا المعنى، يُصبِح قيام الخليجيين بـ»سَحْبِ» الحريري (لا انسحابه) من الحياة السياسية هو خطوة مواجهة على المستوى الإقليمي الواسع.

 

كل ذلك جرى إخراجه عشية الاجتماع التشاوري لمجلس وزراء الخارجية العرب، الذي تستضيفه الكويت نهاية الشهر الجاري. وقد «مُنِح» لبنان مهلةً وجيزة لإعلان تجاوبه مع المبادرة، لا تتجاوز الأسبوع. وهذا يعني أنّ الملف اللبناني سيكون على طاولة البحث في الاجتماع، ولكنه سيأخذ حيِّزاً أكبر في اللقاءات والمشاورات الجانبية.

 

كل ذلك يوحي بأنّ الخليجيين هم اليوم في صدد الصعود درجةً إضافية في سُلَّمِ الضغط على لبنان. وهم تدرجّوا فيه كالآتي:

 

1- حتى العام 2017، كانوا يهادنون إيران ويراهنون على تفاهمات موضعية معها و«تعايش» على الساحة اللبنانية.

 

2- منذ 2017 حتى اليوم، انتقلوا إلى القطيعة مع إيران وقطعوا المساعدات عن الحكومة اللبنانية في محاولة منهم لإضعاف «حزب الله».

 

3- بدءاً من اليوم، هم يتجهون إلى مرحلةٍ أكثر سخونة: نزعُ الغطاء السنّي عن «الحزب»، ولو اقتضى الأمر إزاحة مرجعيات عريقة في الطائفة عن خريطة العمل السياسي. وقد رفعوا منسوب الضغط على الحكومة اللبنانية، بتغطية عربية شاملة، وربما تزداد هذه الإجراءات قساوةً في المرحلة الآتية.

 

هذه المناخات باتت قريبة جداً من التصادم. لكن بعض المحللين يعتبر أنّ مرحلة التصادم بدأت فعلاً من خلال الحدث الجاري في الخليج بين الحوثيين والإمارات.

 

فالحوثيون خرجوا من حدود اليمن إلى مدى خليجي أوسع بهدف حشر خصومهم هناك. وليس مستبعداً أن يردَّ الخليجيون عليهم بتوسيع الدائرة أكثر لتشمل نقاطاً حسّاسة في الشرق الأوسط، بينها لبنان، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية، ولاسيما مصالح إسرائيل والولايات المتحدة والأوروبيين.

 

للتذكير، الرسائل بين الإمارات وإيران تتّخذ اليوم معنى جديداً بعد اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل. وهذا العامل لا يمكن استبعاده من الرسائل الإيرانية هناك. وهذا يعني أنّ إسرائيل قد تلجأ إلى الردّ برسائل مقابِلة، في المكان والزمان المناسبين.

 

ولبنان هو نقطة التقاطع المثالية بين إيران وإسرائيل والعرب والأميركيين وسواهم. وإذا شاءت الأقدار أن تصل الشرارة اليمنية- الإماراتية- السعودية إلى البركان اللبناني، فهي ستهدّد بحريق يصعب إخماده. وبالتأكيد، لا يريد الخليجيون للبنان أن يتجرَّع هذه الكأس المرَّة. لكنهم يعتقدون أنّ المسؤولية تقع على اللبنانيين أنفسهم. فتموضع لبنان في المحور الإيراني سيدفعه إلى الاشتعال عاجلاً أو آجلاً.

 

هل يعني ذلك أن يبحث الإسرائيليون عن ثغرة لبنانية للدخول على خطّ النزاع العربي- الإيراني؟ وما دور الأميركيين في هذه المسألة؟

 

في الأسابيع الأخيرة، تزاحمت الاستحقاقات اللبنانية التي يمكن أن تمنح إسرائيل والولايات المتحدة فُرصاً لفرض طروحات قد يعجز اللبنانيون عن رفضها:

 

مفاوضات الناقورة التي انزلق فيها لبنان إلى ضغط غير مسبوق، مع انتظار عودة الموفد الأميركي عاموس هوكستاين قريباً، المفاوضات الحسّاسة الجارية مع صندوق النقد الدولي، اتفاقات الغاز والكهرباء مع مصر والأردن والتي يتردّد أنّها جزء من شبكة المصالح الإقليمية المتعلقة بالطاقة، والتي تشكّل إسرائيل نواتها. ووسط كل ذلك، هناك مَن يطرح أسئلة عن مغزى الحوادث المتلاحقة بين جنود «اليونيفيل» وسكان القرى الحدودية، ولأول مرّة بهذه الوتيرة، والتي لا تبدو مجرَّد صدفة.

 

في هذا المناخ، هناك «داعٍ للهلع» في لبنان. فالحروب في لبنان ربما تكون بديلاً من حروب أخرى، على أراضٍ أخرى. ولكن، ثمة مَن يعتقد أنّ الوقت تأخَّر جداً، وأنّ لبنان على الأرجح «داسَ بقدميه على اللغم»، و«مَن ضرب ضَرب ومَن هرب هرب»