ألقت زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الى بيروت حجرا كبيرا في مياه بركة العلاقات اللبنانية ـ الخليجية الراكدة عندما أحيت البحث في ملف «اعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج» بعدما يئس اللبنانيون من حال الترنّح التي أصابتها. وهو ما دفع الى البحث عن بدايتها واهميتها في توقيتها وشكلها ومضمونها. وعمّا اذا كانت بما حملته من مقترحات الرسالة الاخيرة، ام ان هناك ما يليها؟
ليس طبيعياً ان يفاجأ اي من المسؤولين اللبنانيين بزيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الى بيروت التي خرقت الساحة اللبنانية المنهمكة بإجراءات احياء العمل الحكومي والتحضير لإقرار موازنة 2022 والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي انطلقت بالوسائط الالكترونية على وقع مجموعة من الأزمات المتفاقمة. وكل ذلك يجري في وقت دخلت البلاد المهل الدستورية الخاصة بالانتخابات النيابية وهي على شفير حال من الإنهيار لا يدرك أحد ان كانت قادرة على الصمود الى ان يحين موعدها لتجري في الحد الادنى من الظروف المؤاتية لها بعد عزوف الرئيس سعد الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقين عن المشاركة فيها.
وقبل الدخول في طريقة تحديد الموعد الذي جاء بالموفد الكويتي الى بيروت حاملا ما حمله من رسالة جمع فيها ما سمّاه «اقتراحات اعادة الثقة» بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، لا بد من إلقاء الضوء على الظروف التي أدت الى تكليفه المهمة، ليس باسم بلاده فحسب، إنما باسم مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي الذي شارك في البحث عن إنهاء القطيعة الناشئة من تصريحات وزير الاعلام المستقيل جورج قرداحي التي طفح بها الكيل بعد صفقة «الرمان المخدر» الى السعودية.
وفي المحطات الزمنية التي قادت الى هذه المهمة لا بد من اعادة التذكير بتلك التي رافقت بدايات المعالجة للأسباب التي دفعت السعودية الى سحب سفيرها من لبنان في 29 تشرين الأول الماضي وتلتها مملكة البحرين ودولتا الإمارات واليمن، فيما قررت الكويت خفض تمثيلها الديبلوماسي في بيروت. فعلى وقع ما تركته الإجراءات الخليجية العقابية كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يستعد للمشاركة في «مؤتمر غلاسكو للمناخ» في ايرلندا بغية إجراء مزيد من المشاورات التي يمكن ان تفضي الى معالجة الجديد الطارىء على هذه الازمة طالما انّ المؤتمر سيجمع زعماء العالمين العربي والغربي.
وعلى هامش المؤتمر كانت هناك لقاءات لميقاتي فور وصوله الى ايرلندا في الأول من تشرين الثاني الماضي، أبرزها مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وجرى البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين والعلاقات اللبنانية الخليجية. وانتهت تلك الجلسة بتأكيد الامير انه سيوفد وزير خارجيته الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى بيروت قريباً للبحث في السبل الكفيلة بدعم لبنان ولاستكمال البحث في الملفات المطروحة، لا سيما منها معالجة الازمة اللبنانية – الخليجية.
وبعدما شكر ميقاتي مضيفه القطري التقى بنظيره الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح في حضور وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، كان بحث اضافي في ما سمّاه ميقاتي «حرص لبنان على العلاقة الوطيدة مع دول الخليج والعمل على معالجة اي ثغرة تعتريها». وتعهّد نظيره الكويتي بالقيام بما يمكن القيام به انطلاقاً من «حرص بلاده على لبنان وسعيها المستمر لدعمه في كل المجالات، وفي الوقت ذاته حرصها على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي».
بعد هذين اللقاءين مع كبار مسؤولي دولتين خليجيتين مَنّنَ المسؤولون اللبنانيون النفس بإمكان تحقيق خرق سياسي في الجدار الذي بنته للإجراءات الخليجية تجاه لبنان بعدما اطمأنوا إلى انّ مصالح اللبنانيين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي لن تمس، وظلوا ينتظرون جديد مهمة الموفد القطري لاعتيادهم على أدوار للدوحة أنجزت ما لم ينجزه أحد من قبل لترميم العلاقات بين اللبنانيين انفسهم، فكيف بالنسبة الى العلاقات مع دول الخليج. وكانت قطر قد عادت الى الحظيرة الخليجية بعد المصالحة الكبرى التي شهدتها القمة الدورية الـ 41 لمجلس التعاون الخليجي التي عقدت في 5 كانون الثاني من العام الماضي في مدينة «العلا» السعودية» وأنهَت القطيعة بين قطر وجاراتها الأربع التي حاصرتها.
على هذه المعطيات، عبرت الاسابيع القليلة الماضية في انتظار زيارة الموفد القطري وبنيت الرهانات على شكل وساطته ومضمونها، إلى ان اكتشفت قضية «الليمون المخدر» التي كانت تتجه الى الكويت في الثالث من كانون الثاني الجاري حاملة إليها ملايين أقراص الكابتاغون بعد أيام على اكتشاف الصفقة الاولى الشبيهة بها والتي وصلت الى دولة الإمارات في 23 كانون الأول الماضي، ففتحت الخطوط الهاتفية بين الكويت وبيروت بمبادرة من وزير الخارجية الكويتي الذي تعهّد لميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي، بعدما هنّأ باكتشاف العملية، بالقيام بما يجب لترميم العلاقات مع الخليج.
ونتيجة للمحادثات المتبادلة، استقر الرأي على التنسيق بين وزيري خارجية البلدين، لكن وزير الخارجية عبدالله بوحبيب كان في واشنطن وحالت اصابته بكورونا دون عودته السريعة الى بيروت، فبدأت المشاورات بين الصباح وبو حبيب بسرية تامة أبلغ خلالها المسؤول الكويتي أن مهمته قد تطورت وبات مكلفاً منذ ان انتهت زيارة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للكويت منتصف كانون الاول الماضي في خلال جولته الخليجية التي أعقبت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بدور الوسيط بين دول المجلس ولبنان تقديراً منه للدور الذي لعبته الامارة بتسوية العلاقات مع قطر. وقد نالت المهمة الى المباركة السعودية رضى فرنسا ومصر وأميركا ومراجع اممية وانه يعمل على تحضير وثيقة خاصة بالمهمة ليطرحها في بيروت. وعندما اكتملت، كان الموعد المحدد ربطا بمهلة الايام الستة الفاصلة عن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد في الكويت في 30 من الجاري استعدادا للقمة العربية الدورية السنوية المقبلة التي تستضيفها الجزائر في الأسبوع الأخير من آذار المقبل ان عقدت حضورياً او عن بعد، كما درجت العادة في السنتين الأخيرتين نتيجة انتشار كورونا.
على هذه النتائج بنيت المهمة الكويتية وبقي الرهان معقوداً على إمكان تجاوب لبنان معها على رغم من حجم العقبات التي تحول دون قدرة المسؤولين اللبنانيين على التجاوب مع بعض ما حملته ورقته من اقتراحات، وخصوصا تلك المتصلة بدور «حزب الله» كأحد أذرعة إيران في المنطقة كما يقرأه الخليجيون. فهم يدركون ذلك ولم يعد هناك سر انّ الاجماع اللبناني لم يتوافر بعد على رغم من ملاحظات رئيس الجمهورية ومعه «التيار الوطني الحر» تجاه أدوار «حزب الله» في المنطقة. فهي لن تقدم ولن تؤخر في المعالجة انتظاراً للتفاهمات على خط الرياض ـ طهران ان تحقق ذلك، وتلك الجارية في فيينا. والى حينه لن تكون الورقة الكويتية ـ الدولية آخر الأوراق المعروضة على لبنان. وان ما يلي ذلك بات رهناً بقدرة اللبنانين على تدبير رد ديبلوماسي سيعدّه بوحبيب مكلفاً المهمة الصعبة إلى اجتماع الكويت نهاية الجاري، فلننتظر.