اعتدال الحريري شكَّل عامل اطمئنان وازناً… فهل يختلّ التوازن بعد ابتعاده؟
إذا كان من المبكر رصد تداعيات غياب رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري عن المشهد السياسي والانتخابي الداخلي، إلا أن لهذا الغياب تأثيره الهائل على جمهور «المستقبل»، وعلى الطائفة السنية التي حافظت من خلال قيادة الحريري السياسية على موقعها، كحامية للاعتدال والتوازن الوطني، بالرغم من كل الأزمات التي عصفت بالبلد. ولذلك فإنه لن يكون سهلاً، ملء الفراغ الذي تركه قرار الحريري، وما يمكن أن يخلفه من انعكاسات على كافة المستويات، بالنظر إلى مكانة الرجل بين طائفته، وعلى الصعيد الوطني. وهذا ما دفع أوساط سياسية، إلى التحذير من «حصول فراغ على صعيد تمثيل الطائفة في البرلمان وفي الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات»، في وقت كان وجود الحريري في المعادلة السياسية الداخلية، عامل اطمئنان وازناً عند جميع المكونات الطائفية في البلد، مشددة على أن «هناك قلقاً حقيقياً لدى المكونات اللبنانية الأخرى، من تداعيات غياب الحريري، بمن يمثل وبما يمثل، لأن الخشية كبيرة من محاولات الدخول على الساحة السنية، لملء الفراغ الذي تركه ابتعاد رئيس «المستقبل» عن المسرح الداخلي، من دون استبعاد أن تزداد وتيرة الاحتقانات الطائفية التي كان الحريري، أول من يبادر إلى معالجتها والتخفيف من انعكاساتها بين اللبنانيين».
ماذا ينتظر عون للموافقة على مضمون الورقة الكويتية كون أن لبنان بأمسِّ الحاجة للدعم؟
وفيما شكلت المسألة اللبنانية، محور نقاش، أمس، بين وزير الخارجية الكويتي الدكتور أحمد الناصر المحمد الصباح، ونظيره الأميركي أنطوني بلينكن، في واشنطن، وبانتظار تسليم لبنان رده على المقترحات الكويتية آخر الأسبوع، خلال مشاركة وزير خارجيته عبدالله بو حبيب في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية بالكويت، فإن شكوكاً كبيرة، تحوم حول مدى قدرة الحكومة اللبنانية على الخروج من عباءة «حزب الله»، والتحرر من قبضته، بما يسمح لها بالرد إيجاباً على هذه المقترحات التي حملها معه إلى بيروت الوزير الكويتي باسم الدول الخليجية والمجتمع الدولي.
وإذا كان المسؤول الخليجي، لم يحمل معه أي تهديد للبنان، فإنه شدد على أن مصلحة لبنان وشعبه، تكمن في عدم استعداء الدول الخليجية، وأن تكون علاقاته بها على أحسن ما يرام، وبالتالي ليس من مصلحته أن يكون مصدر إساءة أو إزعاج لأي منها، وهي كانت وما زالت إلى جانبه، وبالتالي يجب العمل على توفير الظروف التي تسمح بعودة هذه العلاقات إلى طبيعتها، وفي أقرب وقت، لأن لبنان لا يمكن أن يكون خارج محيطه العربي. وفي حين عُلم أن المقترحات الكويتية، خضعت لدراسة وافية من قبل كبار المسؤولين، وكانت محور نقاش، بهدف العمل من أجل صياغة موقف موحد بشأنها. لكن رفض «حزب الله» لعدد من المقترحات الكويتية، وتحديداً ما يتصل ببند القرارات الدولية، سيما القرار 1559، لن يمكن لبنان من الرد إيجاباً على مضمون هذه المقترحات، مع ما لذلك من انعكاسات بالغة السلبية على لبنان.
ولا ترى مصادر معارضة، من سبيل أمام السلطة اللبنانية، إلا الموافقة على ما حمله معه وزير الخارجية الكويتي، باعتبار أنه جاء وفي جعبته خارطة طريق من أجل إعادة الجسور مع الدول الخليجية والمجتمع الدولي، وبالتالي، فإن الكرة في ملعب الحكومة التي عليها أن تقدر مصلحة البلد، وتأخذ على عاتقها إعادته إلى وضعه الطبيعي، والتحرر من قبضة «حزب الله»، مشيرة إلى أن «ما حمله معه وزير الخارجية الكويتي، لم يكن طلباً لبلاده، وإنما كان مطلباً خليجياً وعربياً ودولياً». ومعربة عن اعتقادها، أن «حزب الله سيضغط على الحكومة، لعدم الاستجابة لهذه المقترحات».
وأبدت المصادر «مخاوف على لبنان إذا رفض المقترحات الكويتية، لأن النتائج ستكون وخيمة، باعتبار أن الأسرة الدولية تطالب لبنان بالعودة إلى وضعه الطبيعي، لكن يبدو أن هناك من لا يريد للبلد أن يتعافى». وأشارت إلى أن المقترحات الكويتية، تعبّر عن وجهة نظر السواد الأعظم من اللبنانيين، معربة عن اعتقادها أن «الدولة اللبنانية ستسعى للتسويف ولن تكون قادرة على الاستجابة للمبادرة الكويتية، لأنها تحت هيمنة حزب الله». وقد كان الرئيس سعد الحريري واضحاً عندما قال إن كل المصائب هي بسبب نفوذ إيران عبر هذا الحزب.. وشددت على أن «المبادرة الكويتية تثبت أن العرب لم يتركوا لبنان، فهم يسعون لإعادة إنهاضه وإنقاذه، وعلى المسؤولين أن يعوا هذه الحقيقة، ولا يضيعوا الفرصة التي قد لا تتكرر».
وإذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون، قد أعلن ترحيب لبنان بالورقة الكويتية، فهذا يدعوه، كما تقول المصادر إلى «الموافقة على مضمونها، وأن يسلم الوزير بوحبيب هذا الموقف إلى المسؤولين الكويتيين في أسرع وقت، لأنه لم يعد بمقدور لبنان، الانتظار أكثر من ذلك، كونه بأمسّ الحاجة إلى الدعم الخليجي الذي يمثل بوابة المساعدات الدولية، للخروج من هذا المأزق الذي يهدد بانهياره».