Site icon IMLebanon

ما الرد اللبناني على الرسالة الكويتية..؟

 

زيارة وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر الصباح إلى بيروت خطفت الإهتمامات من كل الملفات الأخرى، وأصبحت بقية الموضوعات، بما فيها الإنتخابات النيابية في المرتبة الثانية أو الثالثة، هذا إذا بقي مجال للحديث عن الإنتخابات بعد التاسع والعشرين من الشهر الحالي، موعد إجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي من المفترض أن يقدم لبنان خلاله أجوبته على الرسالة التي نقلها الوزير الكويتي.

 

أهمية الرسالة الكويتية تكمن بكونها تحظى بتأييد عربي ودولي، أميركي وأوروبي، وكأن ثمة توافق عالمي واسع حول الخطوات المطلوبة من لبنان، مقابل استعادة الثقة الخارجية بالدولة اللبنانية، وفتح أبواب المساعدات والدعم للبلد المنكوب بأزماته الإقتصادية والإجتماعية والمالية، وتمكينه من الخروج من جهنم التي يتخبط فيها الشعب اللبناني.

 

يمكن القول أن فحوى الرسالة العربية والدولية يُركز على إستعادة الدولة اللبنانية سلطاتها الشرعية والدستورية على جميع الأراضي اللبنانية، وفي مقدمة ذلك حصر السلاح بيد الشرعية، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وخاصة القرارين ١٥٥٩ و ١٦٨٠، والتي تنص على نزع سلاح الميليشيات، والمقصود هنا طبعاً سلاح حزب الله، الجهة الوحيدة المحتفظة بسلاحها تحت عنوان «المقاومة الإسلامية ضد العدو الإسرائيلي».

 

ليس من الصعب التكهن بفحوى الجواب اللبناني بعد قرابة أسبوع ونيّف، طالما أن المسألة الأساس تخص سلاح الحزب، وتتطلب وقف تدخلات الحزب في صراعات دول المنطقة، وضبط الحدود اللبنانية بما يكفل منع تهريب المخدرات والسلاح والمسلحين إلى الدول العربية.

 

لن ينفع هذه المرة تكرار الجواب اللبناني التقليدي، ومفاده أن سلاح الحزب لم يعد قضية لبنانية داخلية بقدر ما أصبح مسألة إقليمية، بعدما أصبح إنتشار مسلحي الحزب جزءاً من الحروب والأزمات التي ترزح تحت ضغوطها أكثر من دولة عربية، من اليمن شرقاً إلى العراق وسوريا ولبنان غرباً.

 

السؤال الذي يشغل الأوساط اللبنانية منذ الآن: ماذا لو أبلغ وزير الخارجية اللبناني زملاءه الوزراء العرب في الإجتماع المقرر في الكويت يوم ٢٩ الجاري، أن حكومته غير قادرة على تنفيذ القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠ ، وأن سلاح الحزب مسألة خارجية ولم تعد قضية داخلية، كما كانت قبل إندلاع الثورات في المنطقة العربية، وخروج الحزب من لبنان للمشاركة في حروب سوريا والعراق واليمن.

 

لا شك أن مثل هذا الكلام ينزع الشرعية عن السلطة الرسمية، ويكشف عجز الدولة اللبنانية عن فرض سيطرتها على أراضيها، فضلاً عن إفتقاد القدرة على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، الأمر الذي يؤدي في المحصلة إلى تصنيف لبنان «دولة فاشلة»، خاصة إذا إستمر تنصل الحكومة اللبنانية من قراراتها بشأن النأي بالنفس عن الصراعات والإضطرابات في بعض الدول العربية.

 

التعاطي الجدي والحاسم مع التطور العربي والدولي الجديد في التعامل مع لبنان، يضع البلد أمام إحتمالين لا ثالث لهما: إما التجاوب مع مضمون الرسالة التي حملها الوزير الكويتي أمس، بكل ما تتضمنه من تفاصيل ومندرجات، أو الإعلان عن عدم القدرة على تنفيذ البنود الواردة فيها، وبقاء الأوضاع في البلد على ما هي عليه.

 

العالمون ببواطن الأمور يرجحون سلفاً أن ينحو لبنان نحو الخيار الثاني، رغم كل ما قد يحمله من مضاعفات سلبية على البلد، وما قد يسببه من إشتداد العزلة الحالية، وإسقاط فرص المساعدات الخارجية الملحَّة.

 

ولكن ثمة من يخشى أن تؤدي هذه التطورات المتسارعة إلى ردود فعل داخلية عنيفة تهز حبل الأمن، الهش أصلاً، وتفتح الساحة الداخلية على أسوأ الإحتمالات،وفي مقدمتها طبعاً بروز الذرائع المنتظرة لتأجيل الإنتخابات النيابية، بعد القرار الحكومي المتوقع اليوم بتأجيل الإنتخابات البلدية لمدة سنتين.

 

وغني عن القول أن الرد اللبناني السلبي سيفضح ضعف الدولة اللبنانية ووهن قدراتها الفعلية على الأرض، مقابل تمكُّن «دويلة الحزب» من السيطرة على القرار الرسمي والشرعي، إلى جانب الهيمنة على الإدارة السياسية وتوجهاتها الإستراتيجية والتفصيلية اليومية على السواء.

 

مثل هذه الإحتمالات تحمل في طياتها بذور مواجهة مفتوحة ذات أبعاد إقليمية ودولية على الساحة اللبنانية، خاصة إذا بقي الدور الإيراني متفلتاً من ضوابط الإتفاق النووي المنتظر، وما تطالب به الدول العربية من عودة إيران إلى الداخل الإيراني، وطوي صفحة ميليشيات الحرس الثوري الإيراني في بعض دول المنطقة.

 

ليس من الصعب ، على ضوء هذه الخلفيات والإحتمالات، التكهن بأن الفترة المقبلة ستكون حبلى بأحداث جسيمة، قد تزيد من معاناة اللبنانيين، وتضاعف من آلامهم اليومية عندما تشتد نيران جهنم حولهم، ويصل لهيبها إلى ما تبقَّى من مقومات الحياة في هذا البلد المنكوب.