حاول بعض الأوساط الإعلامية القريبة من فريق الممانعة الذي تقوده إيران أن يوحي بأن هناك ترابطاً ما بين المبادرة الكويتية والنقاط الـ12 التي حملها وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، خلال اجتماعه بكبار المسؤولين اللبنانيين في 22 و23 الشهر الجاري، لإبلاغهم بالحاجة إلى خطوات واضحة من قبل لبنان من أجل معالجة أزمته مع دول الخليج، وبين إعلان زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في اليوم التالي عن قراره العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية، وتعليق العمل السياسي بمعناه التقليدي حتى إشعار آخر.
أكثر من استغرب هذا الربط، حسب قول مصدر قيادي في تيار «المستقبل»، هو الحريري نفسه. فالمنطق الذي يربط بين المسألتين يفكر على الدوام بطريقة مؤامراتية. وفي رأي المصدر أن «لأنهم يحسبون الأمور على الدوام بعقل عسكري وأمني فإنهم يتخيلون وجود مؤامرات تحاك وراء أي موقف يتخذ لا يكون في مصلحتهم. وهذا من أسباب المشاكل التي عانى ويعاني منها البلد. فالبعض لا يتصور أن يتخذ أي فريق قراراً لأسباب لبنانية لأن هذا البعض معتاد على اتخاذ المواقف نتيجة أوامر أو تعليمات تأتيه من الخارج الذي يدين بالولاء له ويتبع له. وهذا وجه آخر لإنكار وجود أزمة في البلد تستدعي خطوات جذرية».
بعيداً عن رأي أوساط «المستقبل» في هذا الربط فإن أوساطاً أخرى مطلعة على خلفيات الموقف الذي أعلنه الحريري، تلفت إلى أن زيارة الوزير الشيخ الصباح إلى بيروت تقررت قبل أيام قليلة، فيما موقف الحريري يجري الحديث عنه قبلها بأكثر من شهرين، أي قبل أن تتبلور المبادرة الكويتية. والقاصي والداني يعرف أن المعطيات عن توجهاته هي أنه حين يزور بيروت سيعلن عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية، وأنه سينكفئ سياسياً للأسباب التي عددها في بيانه، لأن هذه المعطيات تسربت من زيارات بعض الشخصيات التي التقته في أبوظبي، سواء كانت من «المستقبل» أو من جهات أخرى، فضلاً عن أنه كان أبلغ دولاً صديقة ومعنية بالوضع اللبناني بهذا التوجه، وبأنه أخذ قراره في هذا الشأن.
الربط كان وسيلة لتحييد الأنظار عن الحدثين معاً عبر افتعال الربط بينهما. فانكفاء الحريري أولى نتائجه أن لا تسويات بعد الآن مع «حزب الله» تؤدي إلى تكريس سيطرته على القرار السياسي، بعدما قدم زعيم «المستقبل» مراجعة هي أقرب إلى النقد الذاتي لتلك التسويات. وهو أمر يفضل قادة الممانعة تجنب التطرق إليه خصوصاً أنه ينزع غطاء التسويات الداخلية عن سياساته التي تستهدف دول الخليج. والورقة الكويتية تلخص التدابير العملية المطلوبة من القوى السياسية اللبنانية ولا سيما من الحزب من أجل استعادة الدفء إلى العلاقة مع دول الخليج، في مسار جدي لا يقتصر على إعلان بعض المسؤولين رفضهم ممارسات الحزب ضد هذه الدول، بينما يتابع تلك الممارسات عملياً ومعنوياً.
لكن فريق الممانعة المعني بما تتضمنه النقاط الـ12 في المبادرة الكويتية سواء من زاوية التزام سياسة النأي بالنفس «قولاً وفعلاً»، واحترام القرارات الدولية والعربية، واتفاق الطائف ووضع جدول زمني لتطبيق القرارات 1559، 1680، و1701 ووقف كافة الأنشطة المناوئة لدول مجلس التعاون… وملاحقة من يحرض على العنف ووقف تدخل «حزب الله» في الشؤون الخليجية، يتعاطى بتجاهل كامل مع الرد المطلوب من لبنان عليها والذي سيحمله وزير الخارجية عبدالله بو حبيب غداً السبت إلى الكويت لحضور اجتماع الدورة العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب.
جوهر المطلب الذي تضمنته الورقة الكويتية، والتي هي وفق المعلومات ورقة أعدت بالتنسيق مع السعودية بالدرجة الأولى، ومع الإمارات فيما واشنطن وباريس على اطلاع عليها، أن دول الخليج تريد كف شر الحزب عنها، مقابل أن تعمل (في البند الأخير منها) «مع البنك الدولي من أجل حل لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية». أي أن المساعدة المالية لحلحلة مأزق غياب السيولة ستكون الخطوة المقابلة لالتزام لبنان قولاً وفعلاً النأي بالنفس.