حبس انفاس لبناني بالجملة، من الموازنة وما ستجره من اعباء و»خربان بيوت»، مرورا الى زيارة الوسيط الاميركي وعاصفة استهداف المعنيين بالتفاوض التي بدأت تلوح بالافق، وصولا الى «الرد على الرد» الذي حمله وزير الخارجية الى الكويت.
فمؤتمر وزير الخارجية الكويتي وتعليقه ، من حيث الشكل جاء بلغة ديبلوماسية هادئة، يؤمل الا يكون ذاك الذي يسبق العاصفة عادة، اذ اكتفى صاحب المبادرة بالقول ان ما سلمه لبنان سيكون موضع درس من قبل المعنيين ليبنى على الشيء مقتضاه، مكتفيا «بشكر لبنان على تعاونه والرد»، ما يظهر بوضوح تحفظه عن اتخاذ اي موقف، خصوصا ان الكويت معنية بجزء اساسي، وهو المرتبط بالشق الامني، خلافا لما سربه الوفد اللبناني من ترحيب ودعم للمضمون وايجابية اوحت بان الخليجيين اقتنعوا بما عرض عليهم.
مصدر ديبلوماسي في بيروت واكب «القمة الكويتية»اشار الى ان القراءة الخليجية الاولى للورقة لم تكن ايجابية ، باعتبار ان الرد اللبناني جاء ناقصا ودون ما كان مأمولا منه، حيث بدا واضحاً محاولات التملص من التجاوب الجدي والسعي لكسب الوقت، خصوصا لجهة الاقتراح بانشاء لجنة مشتركة، اقترحها الرئيس عون بموافقة بري وميقاتي، مهمتها مناقشة المواضيع الخلافية، وصولا الى ايجاد الحلول اللازمة تمهيدا لاعادة العلاقات اللبنانية –الخليجية الى طبيعتها، مذكراً بانه كان سبق للولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ان عرضتا مع اندلاع الازمة هكذا امر، الا ان الجواب الخليجي كان حاسما لجهة ان المطلوب لا يمكن التفاوض او المساومة عليه، فهو يرتبط بالخطوط الحمر للامن القومي العربي، مشيرة الى ان المطلوب من بيروت كان واضحا، لجهة تحديد آلية لا لبس فيها لكيفية تنفيذ كل من بنود الورقة ال 12، وهو ما لم يحصل، لا سيما في البندين الرابع والخامس المتصلين بالتزام سياسة النأي بالنفس قولا وفعلا، ووضع اطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الامن رقم 1559 الخاص بنزع «سلاح الميليشيات»، وذلك ليس حتما على مستوى التطلعات ولا يحاكي جوهر الورقة، مرجحا ألا تكون هناك لجنة خليجية- لبنانية، لان المطلوب أفعال لا أقوالا.
من جهتها اكدت اوساط لبنانية، ان الجواب اللبناني المختصر بصفحة وربع الصفحة ، جاء مختصرا بحده الاقصى، حيث ثمة نقاط عديدة تعتبر من البديهيات ولا تحتاج الى مشاورات ومباحثات في ما خص مسائل التهريب والمخدرات، رغم المشاكل الكثيرة التي تعاني منها الدولة على الصعيد المالي اليوم، ما يعيق قيامها بالكثير من مهامها، رغم انها تبذل اقصى طاقاتها. اما في ما خص موضوع حزب الله بيت قصيد الورقة ، فان المقاربة اللبنانية جاءت حذرة وراعت التوازنات الداخلية، محاولة «التنصل من مسؤولية» ما يطلق من مواقف وهجمات تستهدف دول الخليج، اما في ما خص القرار 1559 ، فقد تبنت وجهة نظر حارة حريك، لجهة اعتبار ان القرار نفذ، والباقي منه يحتاج الى اقرار الاستراتيجية الدفاعية، وهو ما دعا اليه رئيس الجمهورية دون ان يلقى آذانا صاغية، فيما العمل اليومي قائم لتنفيذ القرارات الدولية والعربية والتمسك باتفاق الطائف والدستور كمرجعية ويعتمد سياسة النأي بالنفس.
غير ان آلية الرد كشفت عن ازمة جديدة ، محورها الجهة المولجة والمخولة به، حيث اعتبرت اكثر من جهة داخلية ان «الترويكا الرئاسية « اختزلت بنفسها الرد والربط والحل في مسألة اساسية ترتبط بالسياسة العامة للدولة اللبنانية كان يفترض ان تعرض على مجلس الوزراء، او على الاقل ان يطلع الوزراء على مضمون الورقة، وكذلك الشعب اللبناني، وهو ما لم يحصل، وقد اعادت مصادر سياسية الامر الى مخاوف رئيسي الجمهورية والحكومة من ان اي وضع للمسألة على طاولة الحكومة كان كفيلا بتفجير جلسات الوزارة، خصوصا بعد المواجهة التي قامت على خلفية اصدار بيان استنكار للاعتداء على الامارات.
من جهتها مصادر رئاسة الجمهورية كانت لها قراءتها ، اذ اعتبرت ان الرسالة لم توجه بصفة رسمية من دولة الى دولة وفقا للاصول المتبعة في هكذا حالات، انما اخذت الطابع الشخصي بمجرد تسليمها الى الرؤساء الثلاثة وباليد، فضلا عن كونها مبادرة وليست وساطة، وبالتالي كان على من تلقاها ان يتولى الاجابة التي جاءت متطابقة مع البيان الوزاري، فليس هناك من خرق ولا من تخطٍ لصلاحيات، والزوبعة المثارة لا لزوم لها اذ يبقى الاهم تفهم الدول العربية للموقف اللبناني، تختم الاوساط.
هل ستكون صيغة الصفحتين «بالعربي المنمق « مرضية للعرب؟ وماذا لو لم يعجبهم ما بين الاسطر والكلمات؟ هل سيشهرون عصا العقوبات والاجراءات الغليظة، في تدابير قد تكون هذه المرة «ذا وجه دولي» باعتبار الورقة الكويتية مدعومة من العواصم الكبرى بمعظمها؟ ام ان مساعي البعض للتهدئة، ستساهم في مزيد من «الصبر»؟ والاهم هل السلطة اللبنانية مستعدة للانتقال من مرحلة الكلام إلى مرحلة الفعل، في حال اعطيت فرصة جديدة؟
والى حين ظهور نتيجة الامتحان الرسمي ، خلال الايام القليلة المقبلة ، الكفيلة بتحديد المنحى الذي ستسلكه الامور على هذا الصعيد، بعدما «قلنا ما قلناه» ، فان تباشير رد الفعل العربي والخليجي ستبدأ بالظهور بعد موقف امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من التطورات المتسارعة الدافعة في اتجاه «تجريد» الحزب من سلاحه، علما ان «نغمة» مقدمات تلفزيون المنار ونبرتها ما زالتا على حالهما؟
فمقولة لبنان الرسمي انه عاجز، «ما عاد الها سوق»، تماما كما سياسة «دفن الراس في الرمل»… فبالنسبة للعرب بيروت تهتم بامور كثيرة بينما المطلوب منها واحد، والتذرع بعدم وجود الامكانات ما عاد يجدي نفعا، «فمن اليوم وطالع كل شي بحقو»، فالمساعدات بقدر تحقيق التقدم والاصلاح في كافة المجالات …. وغدا لناظره قريب…