زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الأخيرة إلى لبنان، كانت الحدث الأهم الذي طاول الساحة اللبنانية بعد التطورات التي نقلت لبنان، بلد الإنفتاح والثقافة والتطور في إطار تم سحبه من طابعه العربي المتميز، ومن روحية مقاومة العدو الإسرائيلي وأطماعه وطموحاته الرامية إلى قلب صورته وهويته رأسا على عقب، وفي هذه المرحلة من تاريخ الدويلة التي تكونت من خلال جملة من المواقف والأخطاء المدمرة، فكان الإجماع اللبناني طيلة سنوات النشأة الأولى على مواكبة ومناصرة المواقف المقاومة المتصارعة مع إسرائيل والمدافعة عن وجوده واستمراريته المستقلة أرضا وشعبا ومؤسسات، فإذا بها وبنا وقد أصبحنا في دنيا مختلفة ذات توجهات ملتصقة التصاقا عضويا بالكيان الإيراني وجموحاته التي لا تحد ولا تعد، وإذ بنا أمام تنظيم محلّي مسلّح يصرّح قائده بأنه مرتبط تماما بإيران التي تؤمّن له كل متطلباته مأكلا ومشربا وسلاحا وتنظيما عسكريا وإداريا لا تحده حدود باستثناء انطلاقاته المبرمجة والموجهة التي دفعت به إلى معظم عواصم المنطقة رافعا رايات الجهاد بإرادته المنفردة، وبمعزل عن حقائق الداخل اللبناني المتمسك بأصول وركائز الدولة اللبنانية وبوجهها العربي وبنأيها للنفس في كل المواضيع والتوجهات التي تصيب الواقع اللبناني بشتى صنوف الانتماءات المتنوعة والمغالية في الإمساك بخيوط السيطرة على جملة من البلاد المنتقاة والمصوب على خيوطها وخطوطها لتكون سيطرتها على خمس عواصم عربية بما يزيد على مائة ألف جندي وجيش مدجج بالسلاح والصواريخ والطائرات المسيرة، وهو واقع جلب لتلك العواصم وبلدانها مقاومات داخلية وخارجية لم تعد تلقى في مواجهة اسرائيل إلاّ بعض المعالم التي أرست الكيان الصهيوني في واقع الأمر، في رعايات غربية حفظته طول سنوات خلت من أية مواجهات أو مجابهات ذات شأن.
وكان من نتائج ما هو حاصل في هذه المنطقة من العالم، ومن اختلاق تلك المشكلة التي استفحلت مع الوقت، تلك الحروب الدامية التي انطلقت بتدرج مستفحل من خلال الإقتتال الخليجي – الحوثي وملحقاته، بالشكل والأساس المعروف والموصوف والذي تسبب مؤخرا باندلاع جملة من المواقف العربية والدولية، تمثلت خاصة في الموقف الخليجي الحافل بالخلافات المعقدة مع الواقع اللبناني الأشد تعقيدا، وها هو وزير الخارجية الكويتي وقد زار لبنان، حاملا جملة من الرسائل إلى أركان الحكم فيه، وهي رسائل تستند إلى جملة من المعطيات التي نقلتها جهة خليجية ما زالت تتمسك ببقاء حبل موصول مع الواقع اللبناني المترابط والمسيطر عليه من قبل دويلة تمسك بالبلاد إمساكا متينا، مطبقا على كل منافذ السلطة والحكم في إطاراتها جميعا، أرضا وشعبا ومؤسسات.
وزير الخارجية الكويتي، أقبل إلينا موفدا رسميا إلى أهل الحكم والسلطة في لبنان وفي واقعها الملموس أنها رسالة موجهة إليهم باسم الجهة الكويتية حاملة الرسالة وهي في الوقت نفسه، رسالة عربية ودولية حافلة بأفكار واقتراحات جدّية تستهدف تلطيف حالة الاحتقان التي باتت تسود المنطقة نتيجة لمواقع الصراع اللبنانية – الإيرانية – حزب اللاهية، مع جملة من المقترحات التي تذكر الرسالة أنها تستهدف بناء الثقة مجددا مع لبنان. وقد أوضح الوزير الكويتي في أقواله، أنه يتكلم بلسان القمة الخليجية المقبلة التي ستعقد في أواخر هذا الشهر في الكويت، مع الأخذ بعين الإعتبار، أنها ستكون برئاسة وزير الخارجية اللبناني الذي تصادف رئاسته الدورية لهذه القمة خلال تلك المناسبة، والتي ستفسح أمامه، مجالا لإلقاء كلمة بإسم لبنان، كما وستتيح له فرصة للإعلان عن موقف الحكم اللبناني بعدد المآخذ والمطالب للمادة التي أطلقتها الرسالة وستطلقها على الأرجح، مقررات القمة الخليجية الحبلى بشتى أنواع المآخذ والتوقعات والمدعومة على ما يبدو من قبل المجتمع الدولي بفرعيه الأميركي والأوروبي.
ويكاد أن يكون من الثوابت أن الموقف اللبناني المرتقب نتيجة للرسالة الخليجية ولمخزونات الموقف اللبناني، أن يتم التحفظ الشديد تجاه المواقف الخليجية وملحقاتها، حتى إذا ما استمرت المواقف المتوقعة المتوقفة حتى الآن على ايجابيات ما للمحادثات الأميركية – الإيرانية، فإنه يبقى من المؤكد، أن تستمر الأحوال الحادة والمتأججة على أوضاعها وتعقيداتها.
معالي وزير الخارجية الكويتي… يبقى ان نتمنى لسعادتكم وللكويت الشقيق كما وأن نتمنى للبنان الغاطس في مصائبه المتعددة.. كل التوفيق في تخليص أوضاعنا الصعبة من جملة التحديات والسلبيات التي نرجو أن تزول غيومها القاتمة عن مجمل الوضع اللبناني – الخليجي الحافل بالمخاطر.