Site icon IMLebanon

الدبلوماسية الكويتية والمفاوضات اليمنية

راجح الخوري

عندما قررت الكويت٬ في منتصف مارس (آذار) الماضي دعوة الأفرقاء المتنازعين في اليمن إلى الانخراط في مفاوضات تستضيفها٬ كان واضًحا تماًما أنها تريد أن تفتح الأبواب على مخارج وحلول للأزمة على قاعدة حاذقة وحكيمة٬ هدفها ترجمة الانتصار العسكري المحقق الذي بات يقف عند أبواب صنعاء٬ اتفاًقا يسهم في تحقيق السلام وحقن الدماء بين الأشقاء.

الكويت في المسألة اليمنية ليست وسيًطا٬ بل هي من أركان البيت الخليجي المتحالف الذي ينخرط في القتال استجابة لطلب الشرعية اليمنية ودعًما لها في وجه الانقلابيين٬ الذين دفعتهم إيران إلى تخريب «المبادرة الخليجية» التي كانت قد أوقفت النزاع في عام ٬2011 والإعلان عن استعدادها لاستضافة المفاوضات بين اليمنيين٬ اقترن بشرط واضح٬ وهو وضع السلاح جانًبا والانخراط في حوار جاد على قاعدة القرار 2216 الذي يشكل المحور والمستند الأساسي المتفق عليه إقليمًيا ودولًيا٬ والذي يتلاقى مع روح «المبادرة الخليجية».

الموقف الكويتي جاء بتوافق سعودي خليجي٬ ومن منطلق واضح٬ فالشرعية اليمنية المدعومة من الدول المتحالفة في «عاصفة الحزم»٬ التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين قبل عام٬ باتت تقف عسكرًيا عند أبواب صنعاء٬ وإذا كان من الممكن أن تحقق لغة الحوار والتفاوض ما ستحققه لغة النار٬ فمن الأفضل الذهاب إلى التفاوض الذي يحقق السلام ويكّرس انتصار الشرعية اليمنية من ضمن تفاهم بين الأفرقاء اليمنيين.

غًدا الأحد يفترض أن تبدأ الهدنة التي اّتفق عليها أفرقاء من الطرفين بعد جولة ثالثة من المفاوضات جرت في الكويت٬ التي كانت كما قلنا اشترطت سلًفا وضع السلاح جانًبا والانخراط جدًيا في المفاوضات٬ وفي السياق ذاته٬ وصلت الأربعاء الماضي إلى الكويت لجنة حكومية يمنية معنية بالتهدئة والتواصل مع الأطراف الأخرى٬ بعدما كانت قد سلّمت ملاحظاتها على ورقة قدمها المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد تتعلق بترتيبات عملية وقف النار.

تحظى الرعاية الكويتية لهذه المفاوضات بدعم دولي أميركي وروسي٬ وفي السياق امتدح ميخائيل بوغدانوف الدور الكويتي٬ وقال إن موسكو تتعاون مع الكويت في دعم جهود المبعوث الدولي٬ كذلك تدعم دول المجموعة الأوروبية هذه الترتيبات٬ وكانت فيديريكا موغيريني الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بحثتها مع المبعوث الدولي٬ وأعلنت أن دعم أوروبا للمفاوضات يتخطى القول إلى الفعل٬ وأن ترجمة هذا قد تتم عبر إرسال خبراء عسكريين أوروبيين إلى اليمن للعمل مع اللجان التي ستشكلها الأطراف اليمنية لمراقبة وقف النار تحت إشراف الأمم المتحدة.

يوم الأربعاء الماضي٬ توافرت معطيات إيجابية أوحت بأن المفاوضات التي ستبدأ في الكويت في الثامن عشر من الشهر الحالي٬ ستضع حلاً يترجم شعار «إعادة الأمل»٬ توصلاً للبدء في رحلة الألف ميل للعودة إلى ما كان يعرف يوًما بـ«اليمن السعيد»٬ وكان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن أن حرب اليمن تقترب من نهايتها٬ ثم قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن المفاوضات في الرياض مع الوفد الممثل لجماعة الحوثي متواصلة٬ وإنه لا وجود بينهم لممثلين عن المخلوع علي عبد الله صالح٬ مؤكًدا أن السعودية ترحب بالمفاوضات السياسية التي ستجري بين اليمنيين في الكويت.

وفي حين أعلن المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام أن المفاوضات في الرياض توصلت إلى التفاهمات التي تؤدي إلى وقف شامل للأعمال العسكرية وفتح آفاق واضحة للدخول في الحوار السياسي بين اليمنيين٬ جاءت تصريحات المبعوث الدولي ولد الشيخ أحمد لتؤّكد أن المفاوضات ستجري على أساس القرار 2216 وروح «المبادرة الخليجية»٬ بما يعني تالًيا أن دول «مجلس التعاون الخليجي» هي التي تمسك بزمام المبادرة والحلول٬ سواء ذهبت إلى مواجهة الانقلابيين أو إلى الحلول التي تخدم مصلحة الشعب اليمني الشقيق.

المبعوث الدولي حرص سلًفا على توضيح أن المحادثات ستركز على خمس نقاط أساسية٬ وأن وقف إطلاق النار يجب أن يضمن وصول المساعدات الإنسانية  المبعوث الدولي حرص سلًفا على توضيح أن المحادثات ستركز على خمس نقاط أساسية٬ وأن وقف إطلاق النار يجب أن يضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة٬ والنقاط الخمس هي: سحب الميليشيات والمجموعات المسلحة ­ تسليم السلاح الثقيل إلى الدولة ­ وضع ترتيبات أمنية انتقالية ­ الحفاظ على مؤسسات الدولة وبدء الحوار الشامل السياسي ­ تشكيل لجنة لشؤون المعتقلين والسجناء.

عند هذا المفترق٬ دخلت إيران على خط العرقلة٬ ومع وصول أخبار السفينة الإيرانية التي اعترضتها القوات الأميركية في بحر العرب٬ وصادرت منها شحنة من الأسلحة كانت في طريقها إلى الحوثيين٬ رفعت طهران من حدة تهديداتها ضد دول مجلس التعاون الخليجي٬ وخصوًصا السعودية والبحرين٬ عندما قال قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري إن إيران سترد على أي إجراء٬ وخصوًصا من قبل السعودية والبحرين.. «أما بخصوص اليمن٬ فسيبقى سيف أنصار الله البّتار بّتاًرا أكثر من أي وقت مضى»!

الرياض اعتبرت هذا الكلام محاولة سافرة لتخريب المفاوضات بين اليمنيين قبل أن تبدأ٬ وقال العميد أحمد عسيري المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي إن تصرفات إيران في اليمن تعكس تحديها للقرارات الدولية وإرادة المجتمع الدولي٬ وهي تسعى إلى إطالة النزاع في اليمن وتخالف قرار مجلس الأمن 2216 الذي يمنع إرسال أسلحة إلى الميليشيات اليمنية٬ وإنها بهذا تريد إفشال المفاوضات بين الأفرقاء اليمنيين.

بعد أيام من إعلان الكويت استعدادها لاستضافة المفاوضات بين اليمنيين٬ كانت طهران قد سارعت إلى إرسال وزير استخباراتها محمود علوي إلى الكويت حاملاً رسالة خطية من الرئيس حسن روحاني تتعلق بالعلاقات بين البلدين ومع دول الخليج عموًما٬ وتتضمن رغبة قوية في حّل الخلافات بين دول المنطقة٬ وقبل أن تبلغ الكويت قادة الدول الخليجية الخمس بمضمون هذه الرسالة٬ كانت قد أسمعت الموفد الإيراني موقًفا حاسًما٬ مفاده أن المدخل الوحيد لإنهاء الخلافات هو وقف التدخلات الإيرانية السلبية في دول المنطقة٬ والكف عن الأعمال المسيئة التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية٬ والامتناع عن زرع الشبكات والخلايا التخريبية في أكثر من دولة خليجية٬ وبينها الكويت٬ إضافة إلى التدخلات السلبية المتمادية في سوريا والعراق ولبنان.

يعرف الإيرانيون والخليجيون أن الكويت ليست في موقع الوسيط حيال عربدة طهران٬ كما أن الكويت التي تنخرط في القتال لدعم الشرعية في اليمن وتعترض بقوة على مسالك إيران وتدخلاتها في المنطقة٬ هيِمن أركان البيت الخليجي٬ ولهذا لن تنجح الرسالة الإيرانية في التعمية على هذا الواقع٬ ولن تفتح الطريق أمام محاولات طهران ضمًنا فتح شرفة للتنصت على المفاوضات بين اليمنيين.