قصة الكويتيين مع وطن الأرز حكاية طويلة، تتداخل فيها مشاعر المحبة مع الغضب، وتتصارع خلالها عواطف الحنين مع العتب، وتنتصر في نهايتها علاقات الإخوة والمصاهرة والمودّة، على كل ما عداها، من عمليات مد وجزر في العلاقات بين الشعبين الشقيقين!
«اكتشف» الكويتيون لبنان منذ الخمسينات من القرن الماضي، وطن الثقافة والحريات، ومصيفاً للعائلات والأولاد الذين يشعرون وكأنهم بين أهلهم وعشيرتهم، من حرارة الترحيب وأجواء الفرح، التي يحيطها بهم اللبنانيون، فتملكوا البيوت والعقارات، وتحوّلت حمانا وفالوغا إلى ما يشبه الأحياء الكويتية، تحت ضغط الإقبال الكويتي خلال فصل الصيف.
وفي مرحلة ما بعد الحرب، عاد الكويتيون بزخم إلى «وطنهم الثاني»، العائلات الكبيرة بالسن إلى مرتع الصبا والشباب والذكريات في حمانا وفالوغا، والأسر الشابة انتشرت من بيروت إلى برمانا، وصولاً إلى سير الضنية وإهدن شمالاً.
اليوم، يشعر أهل الكويت أنهم فقدوا لبنان الذي عرفوه منذ أجيال، وطن الحرية والتعايش والثقافة، مصيف العرب وجامعتهم ومستشفاهم ومصرفهم ومطبعتهم، والذي حلت عليه لعنة الميليشيات والاضطرابات، وتوقفت فيه حياة الأمن والاستقرار، وتلاشت فيه روابط الأخوّة والعروبة، بعدما تحول إلى منبر للتهجم على العرب، وأهل الخليج، في زمن التمدد الإيراني وهيمنة حزب الله على مقدرات السلطة في البلد.
* * *
اثر انطلاق «عاصفة الحزم» العربي في اليمن، وخطاب السيد حسن نصر الله الناري ضد المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، ذهبت شخصية إعلامية كويتية مرموقة إلى بيروت، وطلبت لقاءً عاجلاً مع الأمين العام لحزب الله، على خلفية علاقة سابقة بينهما، لم يتم اللقاء لأسباب تعود إلى ظروف نصر الله طبعاً، واستعيض عنه باجتماع مع أربعة من المسؤولين المقرّبين من الأمين العام.
فبادرهم الإعلامي الكويتي: ماذا أنتم فاعلون بأكثر من ٦٥٠ ألف لبناني يعيشون في دول الخليج؟ استغربوا للوهلة الأولى سؤاله، ثم ما لبث النقاش أن احتدم حول أَبعاد المعركة التي فتحها الحزب ضد السعودية والدول الخليجية، لينتهي عند تأكيد الزائر الكويتي لمحدّثيه على الخطر المحدق بالوجود اللبناني في بلدان الخليج العربي. عندها بادره أحدهم: هل هذه رسالة؟ فأجابه على الفور: لا أبداً إنها قراءة سياسية من كويتي يُحب لبنان واللبنانيين!
مضت الأيام، واستمر حزب الله في التصعيد ضد الدول الخليجية، وخاصة السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، وكان لا بد أن يُقابَل برد مناسب، بعدما تجاوزت التهجمات الشخصية على القيادات والرموز الخليجية الخطوط الحمر، فكانت الإجراءات الأوّلية ضد كل مَن تثبت علاقته بالحزب، ثم وصلت إلى حد إدراج الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية في دول مجلس التعاون بداية، ثم في إطار جامعة الدول العربية، وأخيراً في اجتماعات القمة الإسلامية في اسطنبول، التي كرّست العزلة الإيرانية عن العالم الاسلامي.
* * *
«الأمور لن تقف عند هذا الحد، والإجراءات ضد اللبنانيين لم تصل إلى نهاياتها بعد»، يقول محدّثي الذي يشتعل قلقاً على الوضع في لبنان واللبنانيين، ودول مجلس التعاون في مرحلة تبادل المعلومات الأمنية واللوجستية، والتي ستتخذ بعض الوقت، ليصار على ضوء نتائجها إلى اتخاذ الخطوات اللازمة.
ودَعْني أقول بصراحة، يتابع محدثي: لبنان له مكانة مميزة عند غالبية الكويتيين. واللبنانيون، سواء العاملين في بلادنا، أم المقيمين، يتمتعون باحترامنا على ديناميتهم وتميّزهم في الوظائف أو الأعمال، ولكن أمننا واستقرار بلادنا لهما الأولوية المطلقة على ما عداهما من اعتبارات أخرى.
لذلك، يختم محدثي، ستشعر خلال لقاءاتك أن قلب الكويتيين على إخوانهم اللبنانيين الذين قد يدفعون أثمان السياسات الخاطئة مرّة أخرى، إذا لم يتم استدراك الكارثة قبل فوات الأوان!