وأخيراً دخلت الحكومة في مرحلة المخاض لولادة الموازنة العامة التي سيسري مفعولها على ما تبقى من هذا العام (2019) أي نحو ستة أشهر، في وقت يفترض الانتهاء من موازنة العام 2020 المقبل في خريف العام الحالي.
ألم يكن ممكناً إقرار ما أُقر في مجلس الوزراء قبل أيام بل وأسابيع، بدلاً من الغرق في هذه الشوشرة المؤذية التي رافقها كم هائل من القال والقيل والاتهامات والتشنج والخضات، والكثير من التظاهرات والاضرابات والاعتصامات؟!
في أي حال يؤمل ألاّ يستغرق هذا المخاض المؤلم مزيداً من الوقت فينجز مجلس الوزراء، في اجتماعه المقبل في بعبدا، الصيغة النهائية لهذه الموازنة ثم يحيلها الى مجلس النواب حيث تبدأ المرحلة الثانية من المخاض وهي مناقشة الموازنة في مجلس النواب بدءاً بلجنة المال والموازنة، ثم لجنة الادارة والعدل، وربما أيضاً اللجان المشتركة .. ولتبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة من هذا المخاض في الهيئة العامة لمجلس النواب حيث ينطلق فصل آخر من هذا المسلسل المملّ، المؤذي، الذي يتمثل بمناقشات قد لا تقل عن يومين بمعدّل جلستين في اليوم الواحد، وتلك ستكون مناسبة ينتظرها »أسياد أنفسهم« على أحرّ من الجمر لتبدأ همروجة من المزايدات وتبييض الوجه والتقرب من المواطنين.
وفي تمنياتنا أن يلجأ الرئيس نبيه بري الى ضغط الوقت المعطى لكل نائبٍ، خطابةً وقراءةً، بما لا يتعدى الدقائق المعدودة خصوصاً للنواب الممثلة كتلهم في الحكومة.. فعندما ترسل الموازنة الى ساحة النجمة وقد أشبعها الوزراء درساً وتمحيصاً وتعليقات وأرقاماً ومداولات(…) وهؤلاء الوزراء ينتمون الى كتل وأحزاب سيناقش »رفاقهم« فيها الموازنة إياها في مجلس النواب… عندئذٍ يكون الأمر من نوع لزوم ما لا يلزم… ولكن هذه الرغبة (التي لا نشك في أن دولة الرئيس نبيه بري سيستأنس باراء النواب بشأنها) نستبعد أن يأخذ بها »ممثلو« الشعب الذين، كما أسلفنا، ينتظرونها سانحة من سنة الى سنة ليقدموا أنفسهم الى الناخبين! وهم ضنينون بها ولن يتركوها من دون إظهار البراعة والحرص على المصلحة العامة وحقوق الناس (…) والى ما هنالك من ادعاءات فارغة لن تمر على الناخبين الذين يعرفون حكاية آكلي البيضة وتقشيرتها كما يعرفون القصة كلها من طقطق الى السلام عليكم… ولكن حدود معرفتهم تقف أمام صندوقة الاقتراع، فيقترعون ليعيدوا إنتاج السلطة ذاتها بمعظم رموزها، إن لم يكن بها كلها!
مؤسف أننا أمام هذه النماذج الكاريكاتيرية من الديموقراطية في بلد كان ديموقراطياً بإمتياز عرف الموالاة والمعارضة في حياته البرلمانية وكان رائداً في منطقة فشل في رفعها إليه فــ … هبط إليها!