على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، اليوم، اقتراح قانون «يرمي إلى إلغاء مجالس العمل التحكيميّة وتعديل أصول المحاكمات في قضايا العمل والضمان الاجتماعي». الاقتراح، في الأصل، تقدّمت به النائبة بولا يعقوبيان في أيلول الماضي. وأفضى استطلاع آراء كلّ من وزارة العمل وهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ووزارة الماليّة إلى عدم الموافقة عليه… مما يعني أنه «سقط» شكلاً في مجلس الوزراء، في حين أن رأي الأخير ليس ملزماً. ويبقى النظر في الاقتراح من مهام اللجان النيابيّة (العمل، والإدارة والعدل) وإقراره رهن التصويت عليه في الهيئة العامة لمجلس النواب.
في ظلّ أزمات الصرف المتعاقبة وارتفاع أعداد الشكاوى والنزاعات أمام مجالس العمل التحكيميّة، تتمحور المطالبات عادةً بوجوب التسريع في بتّ المجالس في الأحكام، وزيادة عدد غرفها في المحافظات، وتالياً عديد قضاتها. غير أن اقتراح يعقوبيان يرمي إلى إلغاء تلك المجالس كلياً، عبر «إناطة صلاحيّاتها واختصاصاتها بالقضاة المنفردين المدنيين»، و«إخضاع النزاعات والخلافات المتعلقة بقضايا العمل والضمان الاجتماعي للأصول الموجزة (الرقم 154/ 2011) مهما كانت قيمة النزاع». وتكون الأحكام الصادرة عن القضاة المنفردين، وفق الاقتراح، «معجلة التنفيذ وقابلة للاستئناف والتمييز» (هي اليوم خاضعة للتمييز فقط). مع «الإبقاء على مميزات التقاضي لدى مجالس العمل لناحية الإعفاء من الاستعانة بمحام ومن الرسوم القضائية، وإجازة إقامة دعاوى العمل والضمان الاجتماعي وطوارئ العمل في محكمة محل إقامة الأجير».
ينطلق اقتراح يعقوبيان من أسباب موجبة، أبرزها أن «التشكيل الثلاثي لمجالس العمل التحكيمية من قاض وعضوية ممثل عن أرباب العمل وممثل عن الأجراء ثبت عدم فاعليته ويؤخّر البتّ بالدعاوى»، إضافة إلى أن وجوب استطلاع رأي مفوض الحكومة «يفاقم الوضع، في حين أن القضاة قادرون على البت في هذه القضايا من دون استطلاع رأي أحد».
في انتظار رأي الاتحادات والنقابات العماليّة، يشير المحامي قاسم كريم المتابع للعديد من قضايا العمال أمام مجالس العمل، في اتصال مع «الأخبار»، إلى أن «عمّالاً كثراً تخلّوا عن دعاويهم بسبب التأخير، كما أن الدعاوى المرفوعة أمام مجالس العمل ليست كلّها قضايا صرف بل تتضمن ملاحقات من أصحاب العمل للعمّال»، ويرى أن اقتراح إلغاء مجالس العمل «جيّد، وفي حال أنيطت الصلاحيّة للقضاة المنفردين وفق الأصول الموجزة التي تسرّع الدعاوى، فإن ذلك يفترض أن يكون وفق شرطين: حصر متابعتهم لملفّات الصرف التعسفي للعمّال فقط لا غير، ومتابعة مجلس القضاء لسيرهم بالدعاوى». ويؤكد أن «دور ممثلي العمال وأصحاب العمل لا جدوى منه في مجالس العمل، إذ أنهم لا يتدخّلون ولا يتابعون الملفات حتى لو لم يوكل العامل محامياً!». وبشأن مخالفة الاقتراح بعدم فصل قضاء العمل لاتفاقيات العمل العربية والدولية، يلفت إلى «أن الأمر يحتاج إلى رأي استشاري، يبيّن أن تطبيق الفصل في القانون لم يحقّق الهدف المطلوب وخاصة لعدم جدوى ممثلي أصحاب العمل والعمال».
غير أن رأي الجهات المعنيّة الثلاث بالاقتراح، يبيّن أن وزارة العمل ترفضه على اعتبار أنه «يتوخّى سرعة افتراضية في بت الملفات، في حين أن من شأنه إطالة المحاكمة إلى أمد أبعد بكثير مما هي عليه حالياً، لأن المهل المعطاة للقاضي في الأصول الموجزة هي مهل حث وليست مهلاً ملزمة». مما يعني ضمناً إقرار وزارة العمل، الوصيّة على حفظ حقوق العمال، بأن المهل طويلة حالياً، وهي تلامس أحياناً خمس سنوات من النزاع، يختصر الأجراء مشقّاتها عليهم بقبولهم إكراهاً بشروط أصحاب العمل وبتعويضات مجتزأة. كما أن المهل الملزمة المقصودة ينصّ عليها قانون العمل في المادتين 50 (تحدّد مهلة البت بـ3 أشهر) و80 (البت بالطريقة المستعجلة)، لكنّ الواقع يبيّن أن لا التزام بالمهل. إذ يتمّ عادة تأجيل الجلسات لتغيّب ممثلي أصحاب العمل والعمال أو لانتهاء صلاحية مرسوم تعيينهم، فضلاً عن كون وجودهم يعدّ شكلياً.
هيئة التشريع والاستشارات بدورها رفضت الاقتراح، انطلاقاً من أنه «لم يستند إلى دراسة جدوى أو إحصاء بياناً لعدم فعاليّة النظام المعمول به، وإن التأخير في بت الدعاوى في حال وجوده، كما ورد في الأسباب الموجبة، لم يتضمّن إحصائيّات دقيقة. وإن الأمر لن يتحسّن في الاقتراح المذكور كون الدعوى أصبحت تقبل طريقين في طرق المراجعة». في مقابل «الإحصاءات» التي تطلبها الهيئة، فإن نحو نصف النزاعات أمام مجالس العمل تصدر فيها أحكام غالبيّتها غير نهائيّة، في حين تستعر المطالبات بزيادة عدد غرف مجالس العمل وعدد القضاة الناظرين في الخلافات، وبضرورة تعيين قضاة في الغرف المستحدثة بموجب المرسوم 729/ 2014.
من جانبها رأت وزارة المالية أن «الاعفاءات التي ذكرها الاقتراح مشابهة لتلك المذكورة في قانون العمل، إلاّ أنها مخالفة للمادة 85 من قانون الرسوم القضائية لناحية الإعفاء من التأمينات القضائيّة».
في معرض الردّ، يجيب المحامي المشارِك في وضع الاقتراح نجيب فرحات، في اتصال مع «الأخبار»، بسؤال آخر: «ما الهدف من شكل مجالس العمل الحالي، هل القضاء ليس مؤتمناً على قضايا الناس ويحتاج إلى ممثلين عن الطرفين؟». وعن انتقاص الاقتراح من حقوق العمال عبر تغييب ممثليهم، يجيب بأنّه «ثبت في الواقع أن ممثلي الطرفين لا دور لهم، ولا يكونون من أصحاب الاختصاص في القانون، بينما يفرض القاضي وجوده منفرداً من دون تدخلاتهم، إضافة إلى أن مطالعة مفوض الحكومة تساهم في تأخير الأحكام»، ويضيف «غالبيّة الأحكام يعاود أحد طرفي النزاع الطعن بها أمام محكمة التمييز وهي لا تنتدب ممثلين عن الطرفين ولا مفوض حكومة». وبشأن إصلاح مجالس العمل بدلاً من إلغائها، يعلّق فرحات «وجود مجالس العمل في مراكز المحافظات يحتّم على الأجير تكاليف تساوي أحياناً «يوميّته»، بينما الاقتراح يتيح للأجير رفع الدعوى أمام القاضي المنفرد في مكان سكنه أو في نطاق مركز العمل».
عمّال كثر تخلّوا عن دعاويهم بسبب التأخير المبالغ فيه في بت قضاياهم
طريقا المراجعة اللذان قصدتهما هيئة التشريع والاستشارات، هما التمييز والاستئناف، ويشرح فرحات أن «الطريق الحالي يمرّ بمجلس العمل ومحكمة التمييز مما فيه ظلم للعامل. بينما يمنح الاقتراح طرق مراجعة أكبر، بدءاً بالقاضي المنفرد ثم الاستئناف وبعده التمييز، علماً أن محكمة التمييز تنظر في القانون وليس بالوقائع ولا تعدّ درجة ثانية من التقاضي»، ويتابع: «التعديل الذي اقترحناه يسرّع من المحاكمات، بدليل أنه يطلب تطبيق الأحكام وفق الأصول الموجزة (154/2011) الذي يمنح عادةً مهلة أسبوع للقاضي للنظر في كل دعوى قيمة التعويضات فيها أقل من مجموع 30 ضعف قيمة الحد الأدنى للأجور (أقلّ من 20 مليون ليرة)… أما اقتراحنا فيطلب تعميم هذا التطبيق على كل الدعاوى مهما كانت قيمة التعويضات». ويرى أن المهل القانونية المحدّدة في قانون العمل «غير ملزمة إذ لم يرتّب القانون أي نتيجة لتجاوزها!»، في حين أن «الأصول الموجزة يمنع قبول القاضي بأي أجوبة أو لوائح بعد انقضاء المهل القانونية».
رأي وزارة الماليّة يعتبره فرحات «مفاجئاً»، إذ يفترض بها أن «تكون حريصة على الخزينة»، ويكشف أن «قضاة مجالس العمل وممثلي الطرفين ومفوض الحكومة يتقاضون تعويضات عن كلّ حضور لجلسة، فيصبّ تأجيل الجلسات في صالحهم»، بينما «يخفّف الاقتراح العبء على الخزينة إذ لا يتقاضى القاضي المنفرد سوى راتبه بلا تكاليف إضافيّة». وبشأن مخالفة المادة 85 من قانون الرسوم القضائية، يردّ فرحات «إن أي اقتراح يطلب تعديل قانون سيخالف مواده، في حين أن اقتراحنا لا يزيد رسوماً على المتقاضين، بل يبقي على رسم التأمين التمييزي الذي يُدفع حالياً، ويضيف إليه رسم التأمين الاستئنافي فقط. والرسمان يعودان لطالب التمييز أو الاستئناف في حال ربح الدعوى أو يصادران للخزينة في حال العكس».