لا يختلف اثنان على ان ما شهدته منطقة الحمرا غروب يوم الاحد ، يتعدى بمستوى خطورته الحدث بذاته، نظرا لتفرع الرسائل والجهات التي يمكن ان تقف وراءه وتقاطعها، ما قد يضيع بوصلة التحقيقات ويصعب الوصول الى الجهات التي تقف وراءه، خاصة اذا ما وضع الحادث في اطار التحريض سواء الشعبي ضد حزب الله او المصارف، خصوصا في ظل سهولة اتخاذ اي حدث امني او سياسي طابعا طائفيا ومذهبيا، يشعل الشارع.
فرضيات عززها موقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي وضع الانفجار بعيد دقائق من وقوعه، خارج سياق العمليات الارهابية التقليدية التي حصلت في لبنان، ما رسم جملة تساؤلات حول ما قصده، مع قراءة البعض في ذلك تبرئة لساحة الجماعات الارهابية من «داعش» و«نصرة»، دافعا باتجاه طرح العديد من التساؤلات حول الرسالة من الانفجار، وتؤكد مصادر وزارية ان ابعاد التفجير لا تقتصر مفاعيله على الحدث بذاته، بل توجب التعاطي معه وربما مع المرحلة التي تلي بكثير من الوعي والتبصّر والحكمة لمنع انزلاق البلاد الى الهدف المرسوم لضرب آخر معاقل الاستقرار فيه، الامني، الذي لا يزال يحظى بمظلة خارجية واقية، رغم كل ما يقال عن انهيارات متوقعة، ومالي رائد، في زمن الانهيارات والاخفاقات السياسية، بعدما تعذر ضربهما بوسائل اخرى، دون استبعاد وجود ارتباط بين الحوادث الاخيرة وملف رئاسة الجمهورية.
على وقع هذا الجو المشحون، لا يسقط القائمون على التحقيقات ايا من الفرضيات المحتملة لجهة حصر الاتهام بجهة واحدة. وتميل الدفة الى وقوف طابور خامس وراء العملية بهدف اذكاء الفتنة الداخلية، قد يكون اسرائيل او الجماعات التكفيرية، علما ان المعطيات تشير الى دقة في التنفيذ والى اختراق على درجة عالية من الخطورة بوصف المنطقة امنية بامتياز، اضافة الى ان مديرية المخابرات في الجيش كان سبق لها ان عممت وثيقة امنية تحدثت عن اعتزام جبهة النصرة تنفيذ عملية ارهابية في تلك المنطقة، تزامنا مع تحذير امني صادر عن السفارة الكندية يطلب من رعاياها عدم الوجود في منطقة الحمرا ووسط المدينة، قيل ان معلومات استخباراتية اميركية تقف وراءه. وفي هذا الاطار اشارت معلومات امنية الى تعاون الحزب مع التحقيقات الجارية على درجة عالية من الجدية.
ورغم رهان البعض على ان عملية التفجير ستؤدي الى التخفيف من الاجراءات المتخذة، فان اوساطا سياسية ومالية معنية تؤكد ان ما حصل في فردان لن تكون له اي تداعيات جدية على القطاع المصرفي لجهة التراجع عن التدابير المتخذة، لان كلفة العودة الى الوراء اكبر بكثير من اي رسائل «عنفية» بين الحين والآخر، وهو ما اكدت عليه الاتصالات التي تلت حادثة الاحد، وسط تأييد وزارة المالية لاجراءات المصرف المركزي، دون نفيها امكانية ان يحاول البعض الاصطياد في ماء العلاقة المتوترة بين حارة حريك والمصارف، لتحقيق اهداف مرتبطة بزعزعة الاستقرار النقدي وضرب الليرة، ما يسهل لبعض الجهات الدخول الى الساحة اللبنانية، وهو ما حذر منه النائب وليد جنبلاط منذ مدة، تزامنا مع رفع منسوب الهجوم ضد حزب الله شعبيا وسياسيا بشكل يوازي في نتائجه السلبية الاجراءات العقابية الاميركية.
واذا كان ثمة من يراهن على ان الولايات المتحدة الاميركية لن تذهب بعيدا في اجراءاتها بما قد يهدد الاستقرار اللبناني الداخلي، ويعرض مصالحها للخطر، تكشف مصادر مطلعة عن ان الضغوط الدولية مرشحة للتصاعد .اذ بعد الحديث عن لائحة ثانية ستشملها العقوبات، يجري الحديث في الكواليس، عن عدم رضى دولي عن مستوى الاجراءات التي اتخذها المجلس النيابي على صعيد التشريعات المقرة والتي شملت تبييض الاموال وتمويل الارهاب، التي يمكن من خلالها النفاذ من الاجراءات، بحسب ما سمع مسؤولون لبنانيون من مساعد وزير الخزانة الاميركي لشؤون مكافحة الارهاب. وفي هذا المجال اشارت مصادر مطلعة الى ان ملف لبنان سيكون حاضرا على طاولة منظمة دول التعاون والتنمية في نهاية الشهر في اوسلو، بمشاركة وفد مشترك من وزارة المال ومصرف لبنان، حيث ستتم مراجعة القوانين التي اقرها البرلمان اللبناني وابداء الملاحظات اللازمة حول التعديلات المطلوبة بشكل تسمح للمنظمة بالكشف على حسابات اي شخص معنوي او مادي، على ان تمدد المهلة المعطاة للدولة اللبنانية، حتى نيسان 2018، بعدما تعهد رئيس الحكومة تمام سلام بموافقة لبنان على القبول بشروط المنظمة والانضمام اليها، والا ستدرج بيروت مع انتهاء المحلة على اللائحة السوداء، ما سيعرض الدولة لمخاطر خسارة الهبات والمساعدات الدولية ووقف التحويلات المالية منه واليه.
بغض النظر عن الجهة التي «تقامر» بأدق الملفات حراجة وخطورة، محلية كانت ام اقليمية، مسددة كرة نارها في شباك القطاع المصرفي، وبعيدا عن المواقف وردات الفعل، فان الاعباء الملقاة على عاتق الاجهزة الامنية تصبح اكبر حجما وضخامة، ما يوجب تجنيد الطاقات والجهود وتسخير قدرات الاجهزة الامنية الرسمية وغير الرسمية، لاسقاط المشاريع التي يعمل عليها، خاصة، ان التجارب السابقة اثبتت فاعليتها في انقاذ الساحة الداخلية وتحصينها،
ولكشف المخطط ومنفذيه وابعاده، لان خلاف ذلك سيبقي باب التكهنات مشرّعاً على مصراعيه والشبهات تحوم في فلك كل معني بملف القانون الاميركي لتجفيف موارد حزب الله المالية.