IMLebanon

غياب الثقة وبيع الأصوات

 

 

في رسالة الرئيس ميشال عون الى الناخبين اللبنانيين مقيمين ومغتربين أمس، اعتراف واقعي بمرض الرشوة الذي ينهش سلامة وصحة ونزاهة الانتخابات في لبنان، الى جانب الثقة بالسياسيين.

ومما يصعب علاج هذه العلّة، غياب النماذج الدالة أو المشجعة، واستسهال الوصول الى قناعات الناخبين، من أقصر الطرق، وأكثرها اضرارا بالشأن العام، ألا وهي اثارة الغرائز الطائفية والمذهبية بذريعة شدّ العصب تحفيزا للناس على الخروج من اللااهتمام، الناجم اما عن القرف أو عن اليأس.

لقد تضمّنت الرسالة الرئاسية التوصية بعدم الاقتراع لمن باع ويبيع السيادة عند كل مناسبة. ولا لمن عرض عليكم المال، لأن من يشتريكم يبيعكم ومن يبيع المواطن ليس صعبا عليه أن يبيع الوطن. وليكن اقتراعكم منحا لثقة وتكليفا حقيقيا تليه محاسبة… وتوجه الى المرشحين داعيا الى تحاشي مخاطبة الغرائز والابتعاد عن التجييش الطائفي والمذهبي، أو التحريض، بذريعة شدّ العصب فلا توقظوا الفتنة من أجل مقعد نيابي…

هذه الرسالة تشخيص لواقع معاش، وتوصيف للعلاج، وان بدا متأخرا، وبالتالي متعذرا تفاعله مع الواقع المجتمعي المفطور على مثل هذه العادات الانتخابية السيّئة، والمحكومة لثنائية الحاجة، والعصبية الطائفية أو العائلية، والمتأثرة بقناعات، تولّدت من تجارب مرحلة ما بعد الحرب، ومؤداها ان النيابة والوزارة هي الطريق الى السلطة، والسلطة هي الطريق الى الثروة، وما عدا ذلك من شعارات وخطابات، مجرد مساحيق تجميلية…

ونموذج هذه القناعات ما يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حكايات تبرر للناخب الارتشاء، انطلاقا من تصوير النيابة كباب للثروة، ومدخل لولوج نادي العشرة آلاف المتحكّمين بالدورة الاقتصادية اللبنانية.

وبحسب الرسالة الرئاسية هناك قيم في الحياة تمنح مجانا كالحب والثقة وحرية الضمير…

عن الثقة التي تحمل الحكومة شعار استعادتها، سأل أحد أمراء الصين الفيلسوف كونفوشيوس مستوضحا: ما هي العناصر التي تراها ضرورية للحكومة الكاملة؟

أجابه كونفوشيوس: كفاية من الغذاء وكفاية من الجنود وشعب واثق.

وسأله الأمير: هب ان هذه العناصر الثلاثة لم تتسن معا، فأيهما يمكن الاستغناء عنه؟ فأجابه قائلا: الجنود أولا ثم الغذاء، لكن لا أنصح قط بالاستغناء عن ثقة الشعب فبدونها لا تستطيع حكومة ان تحكم…

وفي السياق عينه، قيل لنابليون بونابرت، كيف استطعت ان تولد الثقة في جيشك؟ فأجاب: بثلاث: من قال لا أقدر، قلت له حاول. ومن قال لا أعرف قلت له تعلم، ومن قال مستحيل قلت له جرّب….

لكن في لبنان قول مأثور: من جرّب المجرّب، كان عقله مخرّب… وكل شيء مباح في الحب والحرب و… الانتخابات.

بيد ان ثمة من يعتقد مع نابليون ان لا مستحيل تحت الشمس، وشمس لبنان خصوصا، وفي هذا المجال قول لشاعر الهند طاغور: سأل الممكن المستحيل أين تقيم، فأجابه المستحيل: في أحلام العاجزين.

والراهن انه لولا الثقة لعاش الناس دهرهم في القلق والخوف، والثقة هي روح العمل وريحانة الأمل، رغم شكوك أبو العلاء المعرّي بقوله: لولا الثقات فلا أدري بمن أثق… لم يبق في الناس إلاّ الزور والملق…