مختصر ما نسمعه هذه الأيام هو ان لبنان ليس على شاشة الأولويات الاقليمية والدولية. هذا ما يقوله بشيء من الخوف وشيء من اليأس معظم العائدين من زيارة لهذه العاصمة أو تلك. وهذا ما يردده بشيء من الادعاء واللامبالاة من يفاخرون بأنهم مستودع أسرار السفراء وقراء التقارير الديبلوماسية والأمنية. وهو بالطبع ما تبنى عليه سيناريوهات التكيّف مع سنوات من الشغور الرئاسي والهزال الحكومي والخواء البرلماني، أو سيناريوهات الرفق بنا وتحديد خريف العام الحالي موعداً لانتخاب رئيس.
والسؤال هو: لماذا يكون غياب لبنان عن شاشة الاهتمامات الخارجية محل قلق وخوف ويأس، بدل أن يكون موضع اطمئنان وفرصة للعمل الداخلي على مواجهة التحديات؟ ماذا عن البلدان التي هي على شاشة الاهتمامات؟ أليس لبنان المتروكة قضاياه لوقت آخر أفضل حالاً من سوريا والعراق واليمن وبقية البلدان التي تشهد زحام صراعات واهتمامات خارجية ضمن حروب أكثر من أهلية؟ وبالمقابل، لماذا تستطيع تلك البلدان إجراء انتخابات وهي في حروب مدمرة، في حين يمدّد لبنان للفراغ وهو في استقرار نسبي تحت مظلة اقليمية ودولية يتحدث عنها الجميع كواقع؟ هل نحن قاصرون أم مقصّرون؟
المشكلة مزدوجة: لبنان يقع تحت أثقال قضايا تتراكم من دون حلول، بحيث تتعايش قضايا القرن التاسع عشر والقرن العشرين والقرن الحادي والعشرين. واللبنانيون لا يزالون أسرى المنطق التقليدي الذي يربط أبسط أمورنا بالألعاب الكبيرة في الخارج، وينتظر ما يريده ويتفق عليه اللاعبون الكبار. من أيام الدول السبع والقناصل في القرن التاسع عشر الى أيام الأحادية السورية في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ثم الثنائية السعودية الايرانية،، مروراً بالانتداب الفرنسي والتنافس البريطاني مع فرنسا في النصف الأول من القرن العشرين ثم بالدورين المصري الأميركي قبل أن يلعب الجميع في لبنان وبه خلال الحرب وبعدها.
أكثر من ذلك، فان القوى التقليدية أفشلت الرهانات على تسويات وحلول لأزمات القرن التاسع عشر بأفكار القرن العشرين، وأزمات القرنين العشرين والحادي والعشرين بأفكار كل منهما. ومن الوهم حل قضايا القرن الحادي والعشرين بأفكار القرن التاسع عشر. لكن هذا الوهم هو السائد. لا بل إننا نواجه قوى ظلامية تريد أن تفرض بالسيف العودة الى القرن العاشر.
واللعب بالخرائط يتم في اتجاهين متناقضين: أولهما التقسيم والتفتيت على قياس المذاهب والاتنيات. وثانيهما اندفاع قوى امبراطورية نحو معاودة الماضي والعمل بالقوة وسواها، بالصراع والتفاوض، للهيمنة على البلدان الصغيرة وإقامة امبراطوريات دينية – امنية.
ولا أحد يعرف متى يقتنع اللبنانيون بأن كثرة الاهتمام الخارجي نقمة وقلته نعمة.