سياسة
ماذا يعني تواصل السجال داخل إسرائيل حول عدم جاهزية سلاح البر في جيش العدو لشن حرب ضد أعدائها في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله؟ وما هي مفاعيلها السياسية والاستراتيجية، وأي رسائل تنطوي عليها للداخل والخارج؟ وماذا تعني الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق حول هذه القضية من خارج الجيش؟
لم تمنع خطورة التشكيك بجاهزية القوات البرية لجيش العدو، كما ورد في وثيقة مفوض شكاوى الجنود اللواء اسحاق بريك، دون حصول سجال علني مع قيادة الجيش التي أعلن رئيس أركانها غادي إيزنكوت قبل أيام بأن الجيش جاهز لأي مهمة تلقى عليه من قبل المستوى السياسي. ويؤشر ظهور هذا التباين إلى العلن بأن ما خرج منه ليس إلا القشرة الخارجية من واقع أكثر خطورة مما بدا حتى الآن. ومما يعزز هذا التقدير، أن الوثيقة التي وزعها مفوض شكاوى الجنود على القيادتين السياسية والعسكرية ولجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وبلغت نحو 200 صفحة، بقيت سرية في معظمها، كما أشارت صحيفة هآرتس، وفي هذه الحالة تعود سريتها لتجنب المزيد من الفضائح وانكشاف نقاط ضعف المؤسسة العسكرية، التي قد يستفيد منها أعداء إسرائيل.
ليس من المبالغة، وصف السجال الحاد المتواصل حول جاهزية القوات البرية، أنه من أخطر التحديات التي تواجه المؤسسة الإسرائيلية بكافة عناوينها، لأنه يتصل مباشرة بدورها الوظيفي الموكل إليها غربياً وأميركياً في المنطقة، وبمستقبل «أمنها القومي»، وقدرة ردعها الاستراتيجي. وفي ضوئها تتخذ القيادة السياسية خياراتها وقراراتها الاستراتيجية، واستناداً لها، تقدم المؤسسة العسكرية توصياتها العملياتية أمام المستوى السياسي. وبالتالي فإن التسليم بعدم جاهزية سلاح البر، أو على الأقل غموضها، يربك القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب، وتتحول إلى قيد يُكبِّل صناع القرار عن الكثير من الخيارات العملياتية، بمواجهة التحديات التي تنطوي عليها تطورات البيئة الإقليمية بشكل عام، والساحة السورية بشكل خاص.
ومن أهم المفاعيل الفورية لهذا السجال العلني، حضور مستوى الجاهزية المتدني للقوات البرية، لدى أعداء إسرائيل، على مستوى الرؤية والتقدير والخيارات التي قد ينتهجها، خصوصاً أن جاهزية جيش العدو تحضر في أي تقدير وضع استراتيجي للمنطقة ولكيان العدو.
مع ذلك، قد لا نكون بحاجة إلى الكثير من المعلومات التي تسربت حتى الآن، انطلاقاً من حقيقة أن إسرائيل التزمت فعلياً بأهم الخطوط الحمراء التي فرضها حزب الله، وتجنبت طوال السنوات الماضية خوض مواجهة عسكرية واسعة معه. ونتيجة ذلك، استطاع الحزب مراكمة قدراته وتطويرها كماً ونوعاً.
في المقابل، ينبغي القول أن قياس جاهزية جيش العدو، وفي هذه الحالة سلاح البر تحديداً، لا تتم بمعزل عن جاهزية وقدرات الأطراف المقابلة، الكمية والنوعية. وبالتالي فإن منطلق أي فهم صحيح لهذا التراجع في تقييم الجاهزية الإسرائيلية، يعود بالدرجة الأولى إلى تنامي وتطور قدرات حزب الله وجاهزيته، التي ساهمت في تقويض مفاعيل التطور الذي شهده جيش العدو على كافة المستويات. وعلى خط مواز، ينبغي القول أن لكل مستوى من العمليات جاهزية تتناسب معها. لذلك فإن الحديث عن عدم جاهزية جيش العدو لا يلغي قدراته التدميرية، ولا قدرته على خوض مواجهات عسكرية دون الحرب الشاملة، وإنما يتم التشكيك بجاهزيته لخوض حرب واسعة، قادر على الانتصار بها.
وليس من الصعوبة تقدير مفاعيل وثيقة بريك حول عدم جاهزية سلاح البر، على الجمهور الإسرائيلي، كون الكشف عنها أتى بعد أيام من إقرار رئيس أركان الجيش، إيزنكوت، بأن الحسم لا يتم إلا عبر المناورة البرية، وهو ما يعني إقراراً رسمياً بأن الخيار الجوي على رغم التطور الهائل الذي بلغه، غير قادر على تأدية المهمة الموكل إليها. وهكذا تكون إسرائيل أمام خيار جوي عقيم وغزو بري متعذر، (الأخبار – الإثنين 10 أيلول 2018).
ما ينبغي الالتفات إليه أيضاً، أنه من غير المتوقع في كل الأحوال، أن تعلن القيادة العليا عن عدم جاهزية الجيش لخوض الحرب ضد حزب الله، لأن مفاعيل وتداعيات مثل هذا الإعلان ستكون خطيرة جداً، في الساحتين الداخلية والإقليمية. فهي ستساهم في تقويض قدرة الردع الإسرائيلي، وتعمق منسوب القلق على الأمن الشخصي والقومي، لدى الجمهور الإسرائيلي. لكن ما دفع بريك ومعه رئيس اللجنة الفرعية لبناء القوة، عوفر شيلح هو الخوف من التقديرات الخاطئة من قبل المستويين السياسي والعسكري بتبني خيارات استراتيجية، تورط إسرائيل في ما قد لا تطيق نتائجه.
حجم الهوة بين تقدير القيادة العسكرية وغيرها من المؤسسات التي تناولت جاهزية الجيش، وخطورة تداعياتها، والقلق من أي حسابات خاطئة، دفع اللواء بريك، إلى الدعوة لتشكيل لجنة من خارج الجيش تهدف إلى فحص جاهزيته، وهي دعوة غير مسبوقة. صحيفة هآرتس عبّرت عن أمرين: القلق العميق من وضع القوات البرية، وعدم الثقة الآخذة بالازدياد من قدرة الجيش على فحص نفسه ومعالجة ما هو مطلوب. ولفتت الصحيفة إلى أن دخول لجنة الخارجية والأمن على خط السجال، ستترتب عليه تداعيات سياسية داخلية.
على خط مواز، بدا أن مستوى جاهزية جيش العدو لم تشغل فقط صناع القرار في تل أبيب، بل امتدت إلى واشنطن، حيث ذكرت صحيفة معاريف، بالاستناد إلى كتاب بوب وودفرد، «الخوف: ترامب في البيت الأبيض»، أن شخصيات أميركية رفيعة المستوى عبرت عن خشيتها الكبيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن إسرائيل لن تستطيع الصمود أمام هجوم محتمل لحزب الله، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى «كارثة».
وتحدث المسؤول الأميركي الرفيع، من طاقم الأمن القومي، أن حزب الله راكم قدرات صاروخية بلغت حالياً، نحو 150 ألف صاروخ، وأن كل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية الثلاث، حيتس، مقلاع داوود والقبة الحديدية لن يكون بمقدورها حماية الإسرائيليين. وأضافت أن المسؤول الأميركي أطلع ترامب على «معلومات استخبارية حساسة» تفيد أن لدى حزب الله الآن حوالي 48 ألف مقاتل هم في الخدمة الدائمة. محذراً من أن نشوب مواجهة بين إيران وإسرائيل يمكن أن يؤدي إلى «حرب كارثية» في حال انجرت إليها الولايات المتحدة.