عندما نتحدث عن رواد الأعمال ، لا يمكن التمييز بين الرجال والنساء. بالعكس، علينا التركيز على قدرات هؤلاء المغامرين الشجعان وأفكارهم وأساليب الإدارة لديهم، وشخصيتهم، وأداءهم ونتائج أعمالهم والاستراتيجيات التي يضعونها. سواء كانوا رجالا أو نساء.
يتركّز هدفنا على تحديد مدى تأثّر واقع السيدات اللواتي يدخلن في مجال الاعمال الحرة بالعلاقات الاجتماعية بين الجنسين. هدفنا هو أن نفهم بطريقة أفضل حياة سيدات الأعمال، كيف تضعن أنفسهن في موقع هذا العالم من المستقلين، وكيف تقمن بادارة أعمالهن وهن يواجهن في الوقت ذاته المفاهيم أو الصور النمطية المرتبطة بالمرأة.
تتمحور ريادة الأعمال عند السيدات بشكل عام حول ثلاثة مواضيع: شخصية السيدة المستقلة و / أو سيدة الأعمال، صورة الشركات التي تديرها النساء ومجال نشاطهن، وأخيرا، مواقفهن وخبرتهن في ما يتعلق بمختلف القضايا مثل النمو والاستراتيجية، والتمويل، والشبكات، والتدريب، وأسلوب الإدارة وروح القيادة والتنمية والتطور.
ان حياة تلك السيدات اليومية هي نتيجة التفاعل المستمر بين العمل والحياة العائلية والاجتماعية. بالفعل، تقوم سيدات الأعمال بالعديد من الخيارات وفق وضعهن في المجتمع ونوع البنية التحتية التي يوفرها لهن المجتمع.
لذا، لا يمكن فهم ما يحفّز أو علام تقوم خياراتهن دون التطرق الى واقع سوق العمل. اضافة الى ذلك، لا يمكن فهم واقع سيدات الأعمال من دون النظر الى متغيرات مستقلة أخرى مثل مستوى المؤهلات والسن.
في بلجيكا، تمثل النساء 50٪ من القوة العاملة و 42٪ من مجموع الموظفين. إذا كنا نستهدف سيدات ورجال الأعمال نلاحظ أنهن يمثلن 12٪ فقط من هذه الفئة . في لبنان، تشير التقديرات إلى أنه لدينا نسبة مماثلة تماماً.
حتى لو كنا نلحظ سؤ تمثيل للمرأة في هذا الوضع، انما يبقى نمو ريادة الأعمال مرتبطاً ارتباطا وثيقا باهتمام النساء المتزايد في هذا المجال. ان معدل نمو ريادة الأعمال عند الرجال هو بنسبة 32٪ في حين يبلغ نسبة 213٪ عند النساء… مما يشير إلى أن المرأة هي المسؤولة إلى حد كبير عن ديناميكية ريادة الأعمال. بالفعل، في كثير من الأحيان تبدو الشركات التي تملكها سيدات جديدة، وبالتالي احدث من تلك التي يملكها الرجال.
في حين ان تأسيس شركة أمر نادر جدا بين النساء اذ يفضلن البقاء المالكات الوحيدات للمؤسسة، على عكس الرجال لذا يخترن في أغلب الأوقات الوضع المستقل.
غالبا ما تعمل السيدات وحدهن (51.2٪)، و42.75٪ منهن لديهن 1 إلى 10 موظفين. لذلك نرى السيدات اكثر في عالم الشركات الصغيرة جدا (TPE). يمكننا أن نعزو هذه الميزة المهمة الى مجال النشاط التجاري والصناعي ومستوى التحصيل العلمي لدى سيدة الأعمال وليس لأن الشركة تديرها امرأة. لذا نرى ان شركة في قطاع الخدمات توظّف عددا أقل من الأشخاص من أي شركة صناعية.
يمكن أيضاً للصفات الشخصية أن تلعب دورا هاماً: الرغبة بالحفاظ على الاستقلالية، والصعوبة في التفويض أو أيضاً الرغبة في البقاء على تواصل مباشر مع العملاء.
انما لهذا العامل اثر سلبي على سيدات الأعمال من حيث فرص التمويل: يبدو أن الأعمال التجارية التي تملكها المرأة تدور في حلقة مفرغة: بالفعل، يحدّ صغر حجمها من إمكانية حصولها على التمويل المؤسسي مما يحدّ من فرص النمو.
المستوى الدراسي
نلاحظ أنه في ما يخصّ الفئة دون الـ 25 عاما، ان عدد رائدات الأعمال يفوق عدد رواد الأعمال الرجال. لكن هذه النسبة تنعكس بالنسبة للفئة دون سن الـ 25-39 سنة ثم تعود لتزداد مجدداً مع عدد النساء الذي يفوق عدد الرجال في ما يخص فئة الأكثر من 50 عاما.
يرتبط مستوى التحصيل العلمي ارتباطا وثيقا بعملية الاستحواذ على الوضع المستقل. بشكل عام، تنخرط النساء اللواتي لديهن شهادة علمية ذات مستوى أقل في مجال الإبداع بدافع االضرورة. أما اللواتي تتمتعن بمستوى علمي أعلى فنلاحظ في كثير من الأحيان دخولهن في عملية طوعية لإنشاء شركة مع فكرة وهدف اغتنام الفرص.
يتبين عند العديد من النساء أن دراستهن لم تخولهن ادارة الاعمال والاستقلالية في مجال الأعمال. هذا الأمر يسمح بتحديد تحرك غالباً ما يتم تجاهله في عملية دعم ريادة الأعمال: من هنا اهمية وجود مواد أساسية خاصة بإدارة الأعمال ضمن كل من التعليم الأكاديمي والتقني.
ان ثلاثة أرباع سيدات الأعمال متزوجات وأكثر من خُمس الأزواج هم شركاء مع سيدة الأعمال (21.2٪). يبدو أن الأسرة وقيودها المتعلقة بتوزيع الأدوار هي التي تجذب أكثر نحو الوضع المستقل. عن طريق اختيارهن هذا الوضع، تُظهر النساء مزيدا من المرونة، وهذا لا يعني العمل لساعات أقل، بل القدرة على ادارة الوقت وفقا لاحتياجات كل من شروط العمل والحياة العائلية.
تؤكد العديد من النساء أن انسحابهن من سوق العمل لتربية الأطفال كان بمثابة عقوبة قوية بالنسبة لفرص العثور على عمل من جديد كموظفة. لذا بدا لهن الوضع المستقل وسيلة للدخول مجدداً الى سوق العمل.
سياسة مالية وقائية
تفضل سيدات الأعمال المستقلات عدم الخوض في الدين وتشجيع الاستثمار بكميات صغيرة من الأموال. وهذا نوع من الحذر تجاه الاقتراض قد يسميه البعض كره المخاطر. في معظم الأحيان تتذرع النساء بالحاجة إلى «حماية الأسرة» من أجل تبرير هذه السياسة الوقائية.
كما هو مبين في معظم الأبحاث حول هذا الموضوع، نادرا ما تستعين النساء بالتمويل المؤسسي ولا تلجأن الى القروض المصرفية الاّ عند الضرورة فقط. في كثير من الأحيان تقوم النساء اللواتي تمارسن مهنة حرة بالاقتراض من العائلة.
بالفعل، أكثر من نصف النساء لم يقدمن خلال السنوات الخمس الأخيرة من تأسيس شركاتهن أي طلب للحصول على تمويل من المصرف ،حيث ان 20٪ منهن قدّمن طلب تمويل واحد و 21٪ من واحد الى خمسة طلبات تمويل.
تلعب سيدة الأعمال اللبنانية دورا رئيسيا في التنمية الاقتصادية لبلدنا. فهي تتمتع بإبداعية جد متطورة، وبدقة في التفاصيل مثيرة للإعجاب، وهي بوجه خاص مثابرة جداً، وهذا هو مفتاح نجاحها. يقول المثل: «إذا كنت ترغب في اتمام عمل، سلّمه لشخص مشغول».
لدينا الكثير من قصص نجاح تتعلق بسيدات الأعمال اللبنانيات لدرجة اننا نود سماع الكثير منها لتطويرالقطاع الخاص وخصوصا من اجل اقتصادنا الوطني الذي يعاني الكثير.
للأسف، إن معدل البطالة بين النساء العاملات في لبنان مرتفع بشكل مفرط ويلامس نسبة 35٪: وهذا أمر حزين ومقلق. لذلك، من واجبنا أن نشجع عمالة الإناث ضمن شركاتنا (بدوام كامل أو جزئي)، وان نشجع وحتى ان نستثمر في شركات ناشئة (start-up ) تؤسسها النساء، وعلينا بشكل خاص، الترويج لإنشاء شركات جديدة صغيرة جداً أو شركات صغيرة ومتوسطة، والتي هي المحرك الأساسي لاقتصاد مثل اقتصاد بلدنا.