Site icon IMLebanon

أيكُون الترسِيمُ البَرِّي… سِياسِيّ أم عسكرِيّ…؟  

 

لبنان هو البلد الوحيد بين البلاد العربية المُطبِّعة مع الكيان الصهيوني، الذي يعقد إتفاقيات الترسيم الحدودي البحري، مع التنازل قسراً، عن حقل كاريش ومخزونه من الغاز والبترول،  وما يجري أيضاً حالياً خلف الكواليس للترسيم البرِّي، وإستكمال الخط الأزرق، ليصل إلى مرتفعات مزارع كفرشوبا والغجر، وبذلك تكون الحدود اللبنانية الجنوبية في مأمن وطمأنينة وسلام لليهود بالأرض المحتلة، من أي هجمات ومبرِّرات للمقاومة، التي تتمسك بالتحرير للأرض اللبنانية من الوجود الصهيوني فيها، وعليه تبقى منطقة الحدود اللبنانية، منزوعة السلاح وتحت إشراف اليونيفل بالتعاون مع الجيش اللبناني، المنوط به وحده حمايتها، ولا حجَّةً لأيٍّ كان بتشكيل قوى مسلحة، وقواعد لها خارج إطار الدولة اللبنانية وإستراتيجيتها العسكرية…

 

إن ما يجري تحت الطاولة، مع الزيارات الديبلوماسية والسياسية والمبعوثين الدوليين والعرب إلى لبنان،  تشير إلى التطبيع بلون آخر، وبطريقة مبطنة  منه، بحيث يصل حكّام لبنان إلى إنهاء موضوع الحدود، ويصل حكام الكيان إلى مبتغاهم، بالحصول على ما يريدون بحراً وبرّاً، لإتمام الصفقة السياسية والأمنية والإقتصادية، وهي مكوِّنات التطبيع، بل هي  أكثر من ذلك، عبر إمتلاك كاريش وما حوله، وليس التبادل التجاري فقط، كما تجري بقية إتفاقيات التطبيع العربية الأخرى، وبذات الوقت يكون الكيان ومستوطناته في الشمال،  لتدخل في سلامٍ وإزدهارٍ وتطويرٍ، جَرَّاء الإطمئنان للوضع الأمني، بإنتهاء عمليات المقاومة، وعدم مبرِّر وجودِها نهائياً، وليس على الحدود فقط….

 

قد يتساءَل البعض عن موقف الدولة اللبنانية ومؤسساتها، في عملية ترسيم الحدود البَرِّية، بعدما تم أكل الضّرب في الترسيم البحري، خاصةً بالتراجع عن خطّ /٢٩ والإرتداد إلى خطّ /٢١ البحري، وبالتالي خسارة حقل كاريش، والإنتفاع فقط من حقل قانا، الذي تبيَّن لهم فيما بعد الحفر، بأنه لا يحوِي على الغاز ولا على البترول، أو ما شابه ذلك من أقاويل، قد تمنع إستخراج المخزون لأسباب سياسية أو إقتصادية، أمام كل الطامعين والمنافسين، دولياً وعربياً، ويُمنع على لبنان فيها، أن يكون من الدول النفطية، فتتغير معها خارطة الطريق، التي تعتمد على المتغيرات في الأرض والشعب، وعلى أسس تتشابه مع أهداف الكيان الصهيوني، في قيام وطن قومي يهودي في فلسطين، لتقوم إلى جانبه كيانات قومية طائفية ومذهبية، تتوافق مع أهدافها في تطبيق خارطة الطريق، ليكتمل المشهد بالتحكم والهيمنة لهم، بالمنطقة العربية الوسطى ككل…

 

إن أحداث غزّة وفلسطين بشكل عام، من بعد عملية طوفان الأقصى، قد غيَّرتِ الكثير من المفاهيم المعتمِدة دوليّاً وصهيونيّاً، للتسويات في المنطقة العربية الوسطى،  وقد أثَّرت كثيراً على مسيرة التطبيع والإتفاقات، التي تجري لأجل إحلال السلام للكيان اليهودي، والإطمئنان لقيادة مسيرة إتمام تجسيد المخطط، المبني على الخارطة، التي تؤدي لطريق الهيمنة، فإنقلب السِّحر على السَّاحر، وإنكشف المستور، وبانت الكثير من تداولات تحت الطاولة، وسقط القناع عن الوجوه السَّافرة، التي ظهرت  أنيابها، وهي تُمعن في نهش الجثث ودماء الأبرياء، من الأطفال والنساء، والشيوخ والعجزة في غزّة، حيث إنعدمت لديها كل المبادئ والقيم والقواعد الإنسانية، وهم يتاجرون بها على مدى عشرات السنين،  بأنهم دعاة السلام والتسامح والحضارة، لتتبين الحقائق، بأنّهم أسياد الإرهاب والعنف، والتدمير والتقتيل بشراهة الوحوش المفترسة…

 

لذا كانت المواقف المعبِّرة، والظاهرة لدى شعوب العالم أجمع، لتقف في وجه كل الأنظمة، التي تمشي بركب العدوان والإبادة الجماعية، لشعب أعزل  ومنكوبٍ بالتخلي عنه من كل الأعدقاء، الذين يُظهِرون عكس ما يُبطِنون، ويتكلمون بالتناقض مع ما يفعلون، وهم مع الغانيات يتراقصون،  ويلزمهم  الحساب بأنهم المدانون،   فيما أبناء ونساء وأطفال غزة ينزفون، وهم مع الأوجاع والنكبات يردِّدون :

 

( السَّيف أصدق إنباءً من الكتُب.. في حدِّهِ الحدُّ بين الجِّدِّ واللّعِب)…

 

لقد بقيت غزَّة وأبناءَها ومجاهديها في وضع الجدّ، والباقين من كل محيط الطوق لفلسطين، وما أبعد من ذلك، فقد بقوا في وضع اللعب المستدام، فمنهم من يلعب بالسلاح، بعدَّة أوجُه، حتى يُحسبون مع المشاركين والمساندين…

 

ومنهم من يلعب بالشعارات والكلمات، وبعض أشكال المساعدات، ليقال أنهم مع القضية وأهلها…

 

ومنهم من يلعب  بالأحاسيس والأعصاب، ضمن الحرب النفسية، التي يشتهر بها الكيان اليهودي، وينساقون ضمن شروطها وتنفيذ مآربها…

 

ويبقى المطبِّعون الذين يلعبون بالقضية على أوتار بنود الإتفاقات والمعاهدات، دونما أيِّ إعتبارٍ للمستجدات، والعبرة من المتغيرات، التي كشفت الوجوه والغايات السوداء، في تنفيذ خارطة الطريق وصفقة القرن، والتسويات في المنطقة على حساب بلدانهم وشعوبهم وإنتاجهم بالأرض والعرض، ودونما أي إعتبار للإحتقان لدى الشعوب وما قد يفجِّره ذلك بوجه الأنظمة وحاكميها الذين ينطبق عليهم القول : (صُمٌ، بُكمٌ، عُميٌ، فهم لا يرجعون)…

 

مع ظهور بوادر الهدنة الطويلة الأمد، أو مع الإنتهاء من حرب غزّة، بالشروط المتبادلة بين أركان الكيان، وبين مجاهدي حماس والجهاد، الذين نالوا ما أرادوا لأسباب صمودهم وإثبات قدراتهم، التي أذهلت الجميع …

 

إن ما يظهر من تهديداتٍ، تطلق هنا وهناك، صهيونياً وأميركياً ودولياً،  أو إيرانياً ويمنياً وعراقياً، أو من الأحزاب والميليشيات المشاركة معها في لبنان وسوريا والعراق، لإتمام التسويات، وما تبقى من خارطة الطريق، وفي مقدمتها ترسيم الحدود اللبنانية مع الكيان …

 

خاصةً أنَّ قواعد الإشتباك، التي إلتزم بها  الحزب والكيان بصورة متبادلة، طلقة بطلقة، وضربة بضربة، وعلى ألاَّ تتعدى العشرة كيلومترات عمقاً على الجانبين، وهي المسافة المتفق عليها دولياً، لتكون بإشراف اليونيفل والجيش اللبناني، ولتكون منزوعة السلاح غير الرسمي، والتي تندرج في تسويات خارطة الطريق، التي بدأها الكيان مع لبنان بالترسيم البحري، ضمن الطرق الديبلوماسية والسياسية، ومن تحت الطاولة… ويكملها حالياً بالترسيم البرِّي، علناً وعلى مرآى وموافقة الجميع…

 

إن جولات المبعوثين مع لبنان،  كانت على نارٍ حاميّةٍ قبل /٧ / أكتوبر وطوفان الأقصى، لتأخذ دورها بالتنفيذ مجدداً، بعد الإنتهاء من حرب غزّة، دونما إعتبارٍ لأي تهديدٍ، خاصةً أن ذلك جاء على  أساس وقف الحرب على غزّة، ولا مبرِّر سواه، وأيُّ نقضٍ لما هو متفق عليه، فإنَّ التنفيذ سيأخذ طريقه نحو  الأسلوب العسكري، الذي يأتي من أعلى إلى أسفل، ضمن صميم المسؤولية، المتَّبعة في العلاقات الدولية، كما شهدناها مطولاً في مجال الإتفاقات، على نسبة الأسلحة والمفاعل النووية، بين الإدارة الأميركية، والحاكمية الإيرانية…