IMLebanon

إسرائيل “تصادر” البحر حتى صيدا لتسهيل التوغل البري

 

في محاولته التوغل داخل الأراضي اللبنانية، اكتشف الجيش الإسرائيلي حقائق جديدة تشكّل عائقاً لطموحاته. لكنه، على ما يبدو، بدأ خططاً جديدة.

تبيّن للإسرائيليين أنّ «حزب الله» ما زال قوياً في الجنوب، على رغم من الضربات الموجعة التي تلقّاها بعناصره وكوادره وقيادييه، وأنّ مجموعاته المحصّنة في القرى، ما زالت تمتلك ما يكفي من القدرة على التواصل في ما بينها ومع القيادة الميدانية، وأنّها تستطيع نصب المكامن وتسديد الضربات للقوات المتغلغلة، على الرغم من القصف العنيف الذي استهدف مواقع «الحزب» هناك على مدى عام كامل، والذي بلغ الذروة في الأسابيع الفائتة. وتبين، خصوصاً في اليومين الأخيرين، أنّ منصّات الصواريخ التي يمتلكها «الحزب» في الجنوب، ما زالت قادرة على بلوغ حيفا «وما بعد بعدها»، على الرغم من الغارات العنيفة والكثيفة التي تشنّها إسرائيل يومياً على هذه المنصات ومخازن الصواريخ، في الجنوب وسائر المناطق، وعلى الرغم من سعي الإسرائيليين إلى قطع طرق الإمداد التي تغذي «الحزب» بالأسلحة والذخائر من إيران وسوريا.

 

وفي التقويم العسكري، اكتشف الإسرائيليون أنّ الحرب البرية على «الحزب» ليست أبداً بسهولة الحرب السيبرانية والاستخبارية والجوية التي أثبتوا فيها تفوقهم في شكل مطلق، إذ نفّذوا بها، وما زالوا، عمليات اغتيال نوعية كثيفة، وعلى أعلى المستويات، وفي أكثر أماكن «الحزب» تحصناً وسرّية، من كارثة «البيجر» واللاسلكي إلى تصفية القيادات، وصولاً حتى الصف الأول.

 

الخبراء في الشأن العسكري يقولون إنّ المصاعب التي بدأ الإسرائيليون مواجهتها براً في جنوب لبنان، حيث تكبّدوا خسائر مهمّة في الأرواح، لا تشكّل صدمة لهم. فقد عرفوها في بدايات هجومهم على غزة. فدخول أي جيش نظامي إلى أرض أخرى، تنتظره فيها حرب الشوارع، هو دائماً صعب ومكلف ومحفوف بالمخاطر. مع الإشارة إلى أنّ الطبيعة الجغرافية لجنوب لبنان، بجباله ووديانه، والتي تختلف عن طبيعة غزة، تزيد المصاعب على الإسرائيليين. لكن كلاً من «حزب الله» و»حماس» يتمتع بنقاط قوة في حربه البرية. فـ»الحزب» يمتلك سلاحاً تفتقر إليه «حماس»، لكنّ الحركة لا تقلّ عنه خبرة قتالية، وربما تتفوّق عليه في الاعتماد على الأنفاق في المعارك.

 

عانى الإسرائيليون كثيراً، وتكبّدوا خسائر فادحة، خصوصاً في المراحل الأولى من محاولتهم الانزلاق إلى وحول غزة برياً. لكنهم، تحت وطأة التدمير الشامل، على مدى 12 شهراً، باتوا اليوم يحتلون غزة واقعياً. وهذا ما تؤكّده قيادات من داخل السلطة الفلسطينية، في معرض تحميلها «حماس» مسؤولية الوصول إلى هذه الكارثة.

 

على المستوى السيبراني والاستخباري، وتصفية الكوادر والقيادات، كانت حرب إسرائيل أكثر شراسة وسرعة وإلحاحاً ضدّ «حزب الله». ففيما استغرق اغتيال اسماعيل هنية 11 شهراً من الحرب، جاءت تصفية كوادر «حزب الله» متزامنة تماماً مع قرارها توسيع الحرب في لبنان. واليوم، يبدو «الحزب» من دون قيادة «معلنة»، لئلا يتمّ استهدافها بالاغتيالات أيضاً. وربما يكون هذا يبرر الصمت الكامل في مسألة اغتيال السيد هاشم صفي الدين. فمن مصلحة «الحزب» إخفاء أي معلومة عنه، إذا كانت قد كُتبت له النجاة. فإسرائيل ستمضي، وفق ما تقول، في تصفية كل كوادر «الحزب» وقيادييه، في سياق الحرب التي أكّد بنيامين نتنياهو قبل يومين أنّها لن تتوقف إلّا بعد تحقيق الأهداف المرسومة كلها. كما ستمضي في عملية التوغل براً، حتى الليطاني على الأرجح، للتثبت من إخراج عناصر «الحزب» من تلك المنطقة، في شكل كامل ودائم.

 

وفي هذا الشأن، يقول الخبراء العسكريون إنّ الدرس الذي تعلّمه الجيش الإسرائيلي في السيطرة برياً على غزة سيستفيد منه في دخول لبنان. وهذا يعني في الدرجة الأولى عدم الغرق في الوحول قبل تحضير الأرض بنحو كافٍ. ففي غزة اعتمد الإسرائيليون طريقة الحصار، أي الكماشة، ومنطق الأرض المحروقة، فقاموا بتسوية المناطق التي أرادوا دخولها بالأرض، فلم يوفروا المساكن ولا المدارس ولا المستشفيات، وتأنّوا في تفجير الأنفاق. وأدّى ذلك إلى إطالة أمد الحرب عاماً كاملاً حتى الآن.

 

 

يقول هؤلاء الخبراء، إنّ إسرائيل أبطأت دخولها البري من جهة مرجعيون- بنت جبيل، ولكنها بدأت تحضّر العدة للعمل من جهة البحر، فمنعت كل حراك للمدنيين على الشاطئ حتى الأولي، أي إنّ مدينة صيدا نفسها مشمولة بهذا التدبير. وفي الضربات الأخيرة التي نفّذتها إسرائيل في الجنوب، تردّد أنّها ربما استخدمت قواتها النارية من جهة البحر اللبناني.

 

يوحي هذا التحرّك برغبة إسرائيل في محاصرة عناصر «الحزب» في الجنوب، واستهدافهم من مصادر متعددة: جواً وبراً وبحراً، واعتماد أسلوب الاستطلاع البري بعدد قليل من الجنود، قبل الدخول الواسع لوحدات الجيش. وهذا ما عبّر عنه أحد العسكريين الكبار في إسرائيل، بعد الضربة القاسية التي وجّهها الحزب إلى القوة الإسرائيلية المتوغلة في اليوم الأول، إذ دعا الجيش إلى التصرّف بروية في البر، فلا تأخذه نشوة الإنجازات التي حققها عن طريق الجو.

 

هذا المنطق يرجح أن تكون الخطوات الإسرائيلية البرية حذرة جداً وبطيئة، وأن يكون حجم الدمار الناتج منها كارثياً في القرى الجنوبية. وسيكون عناصر «الحزب» على المحك: إلى أي حدّ سيستطيعون الصمود في مواجهة تعتبرها إسرائيل مصيرية، وتضع فيها كل قواتها ورهاناتها.