Site icon IMLebanon

لبنان والصفقة المنتظرة: صراع على “غنيمة”

 

في المنطقة بلدان صغيرة تلعب أدواراً مهمة، ولو في إطار الوساطة بين اللاعبين الأقوياء المتصارعين. ولا أحد يجهل دور الكبار في رعاية هذه الأدوار وحاجتهم إليها بين حين وآخر. لبنان خسر من زمان دور اللاعب المؤهل له، لا فقط بسبب الخلافات والصراعات الداخلية بل أيضاً بسبب الهيمنة الإقليمية عليه وقلة الإهتمام الدولي. وهو اليوم لعبة لا مجرد ملعب. لعبة خطرة إن لم تكن قاتلة. بقايا السلطة تلعبها صغيرة لحماية مصالحها الضيقة. و»حزب الله» يلعبها كبيرة، لا فقط من خارج السلطة، وهو داخلها، بل أيضاً من خارج النظام، وهو مرشح للخروج عليه.

 

ذلك أن نبيه بري رئيس المجلس النيابي المقفل في وجه انتخاب رئيس للجمهورية، ونجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يمارس مع الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية يناقشان الموفدين الأميركي والفرنسي في الأوراق والإقتراحات بتفويض من «حزب الله» الذي يصنع القرار. ومن دون إعلان صريح، فإن «حزب الله» يقول ضمناً: الأمر لي. الأمر لي في كل شيء أساسي. من حرب الجنوب إلى حرب الرئاسة وعقد أو عدم عقد جلسة لمجلس الوزراء والتمديد للبلديات وهي بين محلولة ومشلولة. ومن إخضاع لبنان وحاجات اللبنانيين إلى مستلزمات حرب «المشاغلة» في الجنوب لإسناد «حماس» في حرب غزة إلى الإندفاع في دور إقليمي أكبر من لبنان.

 

وليس بناء قاعدة على الشواذ سوى وصفه لتوالد أزمات مستمرة. ولا رهن البلد في رهان على صفقة إقليمية كبيرة بعد نهاية حرب غزة سوى ضرب شيء مؤكد من أجل شيء غير مؤكد. وحين تكرر واشنطن القول إنه لا صفقة إقليمية على حساب لبنان، يجد الوطن الصغير نفسه يدفع ثمن اللاصفقة قبل ثمن الصفقة.

 

ويروي الدكتور هنري كيسينجر في كتاب «سنوات الإضطراب» أن الرئيس سليمان فرنجية قال له في إجتماع مطار رياق يوم 16 كانون الأول 1973: «كيف يمكن الولايات المتحدة أن تحد من النفوذ السوفياتي وتريح لبنان من مشكلة الفلسطينيين؟». لكن وزير الخارجية الأميركي الذي حكم نظرياً بالإعدام على بلد لا يستطيع استقباله في مطار بيروت والتباحث معه في القصر الجمهوري ادعى له قلباً وقال في نفسه: «لم يطاوعني قلبي للإقرار بأن من غير المرجح أن ينجو لبنان من ضيوفه المفترسين».

 

وفي كتاب «الديبلوماسية الأميركية تجاه لبنان» يعترف السفير الأميركي سابقاً ديفيد هيل بصراحة بأن «التنافس في الشرق الأوسط على السلطة والأفكار والعقائد والثروة يجري على أرض لبنان، ونظراً إلى هذا الخليط تجد قوة عظمى مثل الولايات المتحدة نفسها ملزمة أحياناً القيام بدور فاعل في لبنان بسبب صراعات النفوذ الإقليمية وليس بسبب لبنان نفسه».

 

أليس معنى ذلك أن لبنان هو، في نظر القوى الإقليمية «غنيمة» تستحق القتال من أجلها، لا العمل لمساعدة البلد على النهوض والإستقرار والإزدهار؟

 

يقول أوسكار وايلد: «أعطه قناعاً لتعرف وجهه الحقيقي». وما أكثر الأقنعة في لبنان.