IMLebanon

أرض القتل  

 

لم يكن مشهد التباهي بجثث الطيور المكوّمة على غطاء سيّارة بمختلفٍ عن مشهد جثث قتلى حادث المدينة الرياضية ليل السبت الجمعة الماضي، ولا بمختلف عن مشهد الضحكة الساخرة لسائق قاد سيارته عكس السير على أوتوستراد المتن الشهير بأوتوستراد الموت، وهو يتباهى بأنّ روحه عزيزة عليه أكثر من «كلّ الدني» غير مكترث بتذكر أرواح الناس الآخرين!

 

أبى آب أن يغادر من دون أن يحمل لقب شهر قتلى حوادث السيارات بامتياز، وأبى أيلول أن يدخل إلا وهو شهر مجزرة الطيور، أصبح لبنان أرض القتل بامتياز، ما هذا العبث بأرواح الناس على طرقات يعبرها يومياً عشرات الألوف من السيارات، بات لكلّ شهر صفة تلتصق به أيار شهر حوادث الانتحار من يعد بالذاكرة إليه تفجعه صور الذين ألقوا بأنفسهم أو سقطوا عن شرفات منازلهم، ذهبوا وذهب سرّهم معهم، ولم يبقَ للأهل إلا الصور والحسرات، وهذا شهر الغرق، وذاك شهر المطاردات وإطلاق النار على الرؤوس، في أيّ أرض نعيش؟!

هؤلاء المدجّجون بالبنادق وخراطيش القتل بعضلاتهم المفتولة، يتباهون بأعداد طيور ضعيفة تعبر من سماء إلى سماء يردونها بطلقاتهم، في بلدٍ يدّعي الحضارة والحفاظ على الطيور المقيمة وحماية الطيور المهاجرة والطيور الآيلة للانقراض، في وقت هو لا يحافظ فيه على الإنسان ولا على الطبيعة ولا على البحار ولا على الأنهار ولا على الجبال ولا على الهواء، نحن نعيش في «مزبلة» أو مطمر كبير يطمّ الجميع طمّاً، وللمناسبة ليست الدولة وحدها مجرمة شعبها أيضاً بغالبيته شريك كامل في هذه الجريمة!

لا يكتفِ المدججون ببنادق الصيد بأنفسهم كأعداء وقتلة لمخلوقات الله الضعيفة بل يستعرضون أولادهم وهم يمسكون بجثث ضحاياهم ينشئون جيلاً تموت الرحمة في قلبه، القتل قتلٌ سواء كان المقتول إنساناً أو عصفوراً، هل يسمح القانون باصطحاب الأطفال ليشاهدوا جرائم الصيد، بلد لا توسّط فيه «يا قاتل يا مقتول»!

للمناسبة هذا النوع من المحاسبة القضائية سبق وجرّبه اللبنانيون ولم يوصل إلى نتيجة، في أحسن الحالات سنقرأ نص حكم قضائي من عيّنة سبق ونشرت في الصحف عام 2015 نصّت على التالي:»حيث لم يثبت بأي دليل أو قرينة قانونية أو قضائية مقبولة بأن الطيور الواردة في الصور قد جرى صيدها في لبنان، أو أن أحداً من المدعى عليهم هو من الصيادين أو يمكنه صيد مثل هذه الطيور، أو أن أحداً منهم قد خالف قرار منع صيد أنواع معينة من الطيور في أماكن معينة أو أوقات معينة ممنوع الصيد فيها، أو أقدم على صيد الطيور من دون ترخيص قانوني. وأن ما توافر في الملف لا يشكل دليلاً على ارتكاب أي جرم، وأن الوقائع الثابتة هي بمثابة أعمال صبيانية بهدف التقاط الصور وعرضها على مواقع التواصل الإجتماعي وحيث بعدم ثبوت ارتكاب المدعى عليهم الجرائم موضوع الإدعاء أو مخالفة قوانين الصيد، يقتضي إعلان براءة المدعى عليهم مما أسند إليهم لعدم كفاية الدليل، وحيث إن التقاط الصور قرب الطيور لا يشكل عرضاً لهذه الطيور على السيارات وفي الطرق والساحات العامة، ولا يشكل التقاط الصور بحدّ ذاته جرماً جزائياً. ويقتضي بناء لما تقدّم ردّ طلب الدولة اللبنانية بالعطل والضرر»، أرض القتل يا سادة لا تَرحم وإن استمرت على ما هي عليه لن تُرحم.