أيام معدودة تفصلنا عن دخول الحرب الصهيونية على غزة عامها الأول وذلك بالتزامن مع دخول حرب الإسناد المجيدة لدعم المقاومة حماس المدة عينها. وهي الحرب الجريئة التي يشنّها حزب لله على مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة متمكّناً بذلك من تهجير نحو 150 ألف مستوطنٍ صهيوني نحو الداخل الفلسطيني المحتل. ومنذ أيام بدأت إسرائيل بشنّ الحرب الوحشية على لبنان حاصدة عبر مجازرها مئات القتلى وآلاف الجرحى وجلّهم من الأبرياء والأطفال والمدنيين العزّل، بعدما مهّدت لذلك باستغلال تفوّقها التكنولوجي بحرب سيبرانية على عشرات المقاومين ومئات المناصرين لحزب لله محدثة بذلك تفجير أجهزة الـ«بيجر» والـ«توكي واكي» التي كانت في متناول أيديهم، ولا يولد الغدر إلّا من رحم الإرهاب، هذا فضلاً عن ملاحقة سلاح الجو الصهيوني بقادة المقاومة العسكريين وقتلهم قصفاً داخل منازلهم. إن كل ما اقترفته أيادي الصهاينة حتى الآن على الأراضي اللبنانية بحق الأبرياء والمقاومين من عمليات قتل وإجرام مردّه إلى أن هذا السيناريو يحلّق في سرب العجز عن خوض حرب برّية في جنوب لبنان وفي قرى المناطق الحدودية مع ان الكيان الغاصب يعلم جيداً أن المقاومة في لبنان تنتظر الحرب البرية على أحرٍّ من الجمر ويعلم جيداً أيضاً مدى قدرات المقاومة العسكرية في حروب العصابات أو وجهاً لوجه. لقد خال للبعض أن ما فعلته الأيادي الصهيونية سيجعل معنويات المقاومين تنهار، لكن يا ليتهم يدرون ولو لمرة واحدة فقط ويقتنعون بأن الأرض ان زرعت بالشهداء فستمسي بعد مدة قليلة ملاعب للثائرين، ما أروع هذا الزرع الذي يجعل الأوطان تحصد الثائرين. ويا ليتهم يقتنعون ولو لمرة واحدة بان نسوة وأمهات وأخوات الشهداء لا يغنون إلّا نشيد الشهادة القائل: نسّم يا جنوبي والهوا جنوبي، العمر مكتوب والحبّ جنوب وأسامي الشهداء على تراب الأرض مكتوبي، بالإذن من الفنان الكبير أحمد دوغان. عملياً ما بإمكان نتنياهو وزمره وقف النار في غزة، نظراً لأنه وبعد مضي سنة لم يستطيع التخلص من مقاتلي حركة حماس. فالعمليات البطولية ضدّ جنود الاحتلال مستمرة وفندق وخندق المقاوم «النفق» ما زال يشكّل سلاحاً ذو حدّين. وهو أفضل بكثير من اخدود وأكمة. ماذا يقول نتنياهو لمناصريه وللرأي العام، أبشّركم بأن الحرب انتهت في غزة ونحن انتصرنا؟!!! لذا وانطلاقاً من هذه الصور على أرض الواقع يستمر نتنياهو بالتلويح بأنه سيشنّ الحرب على مقاومي حزب لله لإرجاعهم 10 كلم إلى ما وراء الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وكل ذلك ظنّاً منه أنه قادر على إعادة المستوطنين إلى مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة، وإحداث موجة غضب شعبية عارمة ضد حزب لله. ان انتصار حركة حماس عبر صمود مقاوميها لمدة سنة قابلة للتجديد في غزة الأبيّة هو الذي جعل نتنياهو مرغماً على الاتجاه نحو المطالبة بحرب برية على جنوبي لبنان لأن الغزاويين أصابوا نفسيته بالقنوط والقرف وكأنها إصابة في مقتل من ضربة معلّم. وبات مطلب نتنياهو بشنّ حرب برية على جنوب لبنان مطلباً وضعه الطاغية في مصاف التعويض عن هزائمه العسكرية وخسائره الاقتصادية المرعبة. ما من أحد يستطيع تجاهل التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي في الحرب. فتمكّن الاستفراد باغتيال سلاح الطيران المعادي لقادة عسكريين من المقاومة شكّل ورقة رابحة بيد العدو الصهيوني. لكن المنازلة الحقيقية تكون وجهاً لوجه على التراب الحدودي وفي الأودية والتضاريس الوعرة ان في جنوب لبنان أو ربما في فلسطين المحتلة. ولا غبار على أن الصهاينة يدركون كيف تكون الشراسة في القتال عندما يتعلق الأمر بزود مقاتلي المقاومة عن حياض الوطن فلذة أكبادهم لمنع إرهاب الكيان الاستيطاني التوسّعي «أميركا الصغرى» في الشرق الأوسط من عدم انتزاع الأرض اللبنانية في الجنوب الطاهر. تحاول قيادة العدو رفع وتيرة القصف الجوي على مواقع المقاومة ظناً منها ان تلك الوسيلة ستجلب نتائج مرجوة لناحية إمكانية تفادي حرب برية مكلفة باهظة الثمن فيها أفدح الخسائر الصهيونية. لكن ونتيجة إصرار نتنياهو على الدخول في جحيم الحرب البرية، فسيكون المشهد مرة أخرى كما كان عليه في العام 2006، حرب برية طرد المحتل من قرى في غضون دقائق أو ساعات قليلة. ارتكاب مضادات الدروع المتواجدة لدى المقاومة لمجازر محقة بدبابات الميركافا كما حصل في وادي الحجير عام 2006 وكان العنوان حينها مجزرة الميركافا. يقول الجنرال الصهيوني المتقاعد إسحاق بريك يعقد نتنياهو وغالانت وهاليفي عزمهم على شنّ حرب برية على حزب لله في لبنان، ومن المرجح أن يشكّل ضربة قاتلة لإسرائيل كما أنه من المؤكد أن الجيش الذي فشل في تدمير حزب لله الذي يعتبر أقوى من حماس بمئات المرات. ونظراً لأن القيادة العليا لجيش الاحتلال خفضت قواتها البرية بنسبة 66% مقارنة عما كانت عليه قبل 20 عاماً، فإنها بالتالي لم تعد تملك قوات كافية للبقاء لفترة طويلة في أي أرض تحتلها، ولا تملك قوات لتحلّ مكان أولئك الذين يقاتلون، ونتيجة لذلك سيضطر الجيش إلى مغادرة أي أرض يحتلّها وهو ما حدث في غزة وسوف يحدث في لبنان كما أفاد الجنرال المتقاعد بريك في 15 أيلول 2024.
إن ما يصحّ قوله في المحصّلة النهائية للمحرقة المستمرة بحق سكان الجنوب اللبناني على يد أزلام نتنياهو، أن القصة تتعدّى مسألة إعادة مستوطني شمالي فلسطين المحتلة لتصل إلى الهدف الأساسي وهو تصفية القضية الفلسطينية كما ورد في إحدى مندرجات صفقة القرن، فيُرحَّل سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وسكان غزة إلى مصر وما بقي من عرب 1948 إلى لبنان وفي المقابل يتم نزع سلاح حزب لله بعد أن تكون قد تمت تصفية القضية الفلسطينية. فالمطلوب تقويض هذا المخطط على يد المقاومين، علماً أن صحيفة «يديعوت احرونوت» قالت بتاريخ 26 أيلول 2024، أن تقديرات إسرائيلية تشير إلى ان حزب لله لم يستعمل إلّا نسبة 10 بالمائة من قواته حتى الآن لاعتبارات خاصة به، وانه يخطط للردّ بشكل أقوى على الضربات الإسرائيلية.