Site icon IMLebanon

المطامر لقوانين الإنتخاب… وليس للنفايات!

من على كرسيه الهزّاز يراقب ديبلوماسيٌّ عتيق الأحداث، يقرأ صحفَه الأجنبية ليواكبَ الجديدَ في العلاقات الدولية. ويتمعنُ في جدولِ مقارنةٍ أعدّه له أحدُ الأصدقاء الغربيين لمرحلة ما قبل الإتفاق النووي وما بعده فلا يرى موقعاً للبنان. وعندما يحدّثك عن الداخل يكتشف أنّ في بيروت مطامرَ لكلّ الملفات الشائكة وليس للنفايات. فكيف وصل الى هذه الخلاصة؟

لا يرى هذا الديبلوماسي حرَجاً في توجيه الإنتقادات القاسية الى عدد من السياسيين اللبنانيين ولا يستثني أحداً من الموجودين في كثير من المواقع السياسية والحزبية، خصوصاً في تعاطيهم مع ملفات الخارج والجهل المُطبق في قراءة المعادلات الدَولية التي تتحكّم بالمنطقة منذ ما قبل الإتفاق النووي الإيراني وما بعده.

فيرى أنّ لدى بعض السياسيين في لبنان هاجساً وهو أنّ العالم يدور من حوله، والمؤسف أنّ بعض اللبنانيين لم يفقه بعد ما جرى في المنطقة وما الذي قاد الى أحداث العراق وسوريا كما الدوافع التي قادت الى التحوّلات في العالم العربي والإسلامي، وما أدّى إليه «الربيع العربي» الذي اكتمل في بعض الدول وبقي يترنّح في دولٍ أخرى فكيف بالنسبة الى الآتي من الأيام في الدول التي تشهد مثل هذه التحوّلات.

ويضيف الديبلوماسي ساخراً: «لقد اعتقد البعضُ أنّ ما شهدته ساحاتُ بيروت في آب الماضي، وتحديداً ما بين 22 و24 و29 آب، يدلّ على أنّ الربيع العربي وصل الى لبنان ولو متأخّراً. وقد تناسى هذا البعض حجم الملفات والقضايا المُرّة التي يعاني منها اللبنانيون وصولاً الى نسبة عالية من الفقر عمّت مناطق بكاملها.

عدا عن المعاناة التي تسبّب بها انتشارُ أكوام النفايات في شوارع العاصمة ومناطق الإصطياف والمدن وفي جوار المرافق الحيويّة وحجم المخاطر الصحّية والبيئية الناجمة منها على مساحة لبنان قبل أن ينفجر الشارع.

والى ذلك، لم يَرِد بعض المسؤولين أن يفهم أنّ الوسائل التي اعتُمدت حتى الآن في مقاربة هموم الناس على مختلف المستويات لم تقارب بعد ما هو مطلوب. وكان الأجدى على الأقل توفير الحلول المنطقية لتعبر البلاد الإستحقاقات التي تعيشها المنطقة وهي تركت ما تركته من الترددات السلبية على وجوه الحياة كافة.

فتكرّرت التجارب التي عاشها لبنان أيام الوصايات الخارجية التي تحكّمت بالحياة السياسية وبقيت كلّ القضايا العالقة والحلولُ المَرجُوَّة لها في أيدي مجموعة من القادة لا يتعدّى عددُهم أصابعَ اليد، وهم يصرون على بقاء الشعب أسيرَ مزاجيتهم وإرادتهم ومصالحهم، فلا يكتمل حلٌّ لمعضلةٍ ما لم يضمن مصالحهم ومنافعهم المادية والسياسية والطائفية.

ولم يكتفِ البعض بما تشهده البلاد من تقاسم النفوذ والمصالح حتى أنهم نسوا أنّ لبنان يحتاج الى رئيس للجمهورية لتسقط رزمة من القضايا الشائكة العالقة والتي انقسم حولَها اللبنانيون مرة جديدة وصولاً الى التشنّج المذهبي الذي كاد أن يفجّر البلد في مرحلةٍ من المراحل.

ويقول الديبلوماسي مسترسِلاً في قراءة التطورات: «يعتقد بعضُ السُذّج أنّ الحلّ موجودٌ على طاولة «هيئة الحوار الوطني» وأنها الوسيلة الناجحة لإستيعاب ردات الفعل الغاضبة لدى اللبنانيين الظاهر منها في وسط بيروت والمكبوت داخل أسوار الطوائف والمناطق عدا عن تلك التي يحملها أقطاب الحوار معهم الى الطابق الثالث من ساحة النجمة،

والأخطر ممّا ظهر في الجلسة الأولى لهذه الطاولة أنّ البعض ممّن اصطفّوا حولها لم يدرك بعد حجم المتغيرات في الشارع اللبناني، وأنّ هناك فئاتٍ كبيرة من اللبنانيين فقدت الثقة بالبعض منهم ورشقتهم بالبيض وهم ماضون في مخططاتهم ومشاريعهم على رغم أنّ التجارب السابقة أثبتت عُقم ما يهدفون اليه، وأنّ زمن فرض المشاريع بالقوّة وفق موازين القوى الدَولية والإقليمية لم ولن  ينتج حلاً.

فالمعادلاتُ الإقليمية لا توحي بانتصار محوَر على آخر لا في سوريا ولا في اليمن ولا في أيّ مكان من العالم، وأنّ مَن يراهن على ترجمة سراب إنتصارات حلفائه في الداخل أمرٌ مستحيل. وأنّ على اللبنانيين أن يقتنعوا بأنّ زمنَ لبننة المخارج والحلول ممكن.

ولن يكون هناك عائقٌ دَولي، فالعالمُ تخلّى عن تبنّي طموحات اللبنانيين الداخلية الصغيرة وما عليهم سوى التفاهم على ما يمكن القيام به لتحييد لبنان بالحدّ الأدنى الممكن لتعبر الزوابع التي تضرب المنطقة فيبقى لبنان في منأى عنها الى حين.

ويختم هذا الديبلوماسيُّ العتيق كلامَه بمقارنة بسيطة تشكّل توصيفاً لواقع مُرّ تعيشه البلاد، لافتاً الى «أننا سنكتشف في وقتٍ قريب أنّ المطامر المطلوبة لقوانين الإنتخاب مثلاً متوافرة، لكنّ للنفايات مسألة أخرى لم تنضج بعد».