IMLebanon

50 ألف “لابتوب” في دائرة الألغاز: وصلت… لم تصل

 

 

مناوشات وتحليلات “وربّ ربكم ما بيعرف وين صاروا”

 

في عزّ تموز 2022، عاد الكلام عن وعدٍ قُطع في أيلول 2021، بتقديم هبة عينية من خمسين ألف جهاز كومبيوتر محمول توزّع مجاناً على التلاميذ في المدارس الكاثوليكية في لبنان. وعدُ يستمرّ وعداً. هو أمرٌ قد يكون عادياً في بلدٍ مثل لبنان ننام فيه على وعد ونستيقط فيه على «كمون»، لكن حين يُصبح الموضوع أشبه بلغزٍ يُحيّر «أهل البلد» من ناشطين وغير ناشطين، فعندها مطلوب السؤال: أين «اللابتوبات» يا سادة؟

عادت واشتدّت «المناوشات الكلامية»، حول مصير «اللابتوبات» المنتظرة، وهذه المرة من البترون. نشطاء المنطقة في حال أشبه بخليط من مشاعر الغضب والإستهجان والقلق من أن تكون جهة ما، تنتمي الى مرجعية ما، قد «شفطت» الهبة! أجهزة الكومبيوتر الموعودة هي لطلاب المدارس الكاثوليكية في كل لبنان، لكن البترون اعتبرت نفسها «أم الصبي» في تلك الهبة كون عراب الملف، وصلة الوصل بين المانحين في أستراليا- سيدني ومدارس لبنان الكاثوليكية، هو ابن تنورين وراعي أبرشية سيدني المارونية المطران أنطوان- شربل طربيه.

 

هكذا بدأت القصة قبل عام. وها هي تشتدّ توتراً اليوم بعدما سأل أحد نشطاء البترون بحنقٍ: أين اللابتوبات؟ فردّ آخر: «رب ربك ما بيعرف وين صاروا». وبدأت اللهجة تقسو مترافقة مع إتهامات واحتمالات: «إما لم تصل إلى لبنان وهذا احتمال ضعيف. وإما جاءت. غطّت وطارت على الطريق وهذا احتمال». ليس بسيطاً توجيه الإتهامات يمنة ويسرة كما غير بسيط القول: ما بالكم بتلك «اللابتوبات» ما دام البلد كله ضائع و»الداخل إليه مفقود والخارج مولود؟» من حقّ طلاب المدارس الكاثوليكية أقله معرفة مصير ما توقعوه وانتظروه.

 

فلنفتح معهم الملف علّنا نجد جواباً لأسئلتهم الكثيرة.

 

أربعة مراجع قد يكون- ونكرر قد يكون- الجواب لديها: مطران سيدني المحبوب والطيّب والآدمي أنطوان- شربل طربيه. أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر. رئيس هيئة الطوارئ الشعبية في منطقة البترون المحامي حنا بيطار. والمستشار التربوي في اتحاد ولجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة نعمة نعمة.

 

غموض

 

المحامي بيطار هو من نقل الى الأهالي النيّة بمنح 5000 لابتوب على الأقل الى طلاب البترون. ممتاز. أين أصبحت؟ يجيب «لم أكن أعرف سيادة المطران من قبل لكن اتصلت به يوم اتى الى لبنان في العام الماضي والتقيته مع المونسنيور سمير الحايك وقلت له بالحرف: اولاد البترون اولادك وهم بأمس الحاجة للإستفادة من المنحة. فأجابني: أريد منكم الرقم التقريبي لعدد طلاب المدارس الرسمية في البترون الذين هم بحاجة وأنا مسافر غداً. كلفنا بعض الأصدقاء تحديد الرقم التقريبي لذلك. ومرّت الأيام. بعدها اتصل بي المطران وقال لي: القصة تأخذ مداً وجزراً ولم نستطع حتى الآن إرسال اللابتوبات الى الأمانة العامة. سألته: لماذا؟ أجابني: نتكلم لاحقاً. فلم أسمح لنفسي في متابعة الموضوع. لم أخبر احداً كي لا أفتح باب الجدال. واعتبرت أن دوري انتهى هنا.

 

رئيس هيئة الطوارئ الشعبية في منطقة البترون يصرّ على التكرار «كم هو المطران طربيه خلوق ونبيل وآدمي» ويقول «بتقديري هو سعى لتصل الهبة الى طلاب المدارس الكاثوليكية لكن، قد يكون حصل سوء تفاهم بينه وبين الأمانة العامة حال دون ذلك». على ما يبدو، لا شيء مؤكد.

 

نعود لنسمع كثيراً من «المناوشات» بين الناشطين حول مصير الهبة. وهناك من ينقل عن الدكتور نبيل حكيّم قوله: «كنت في نفس الطائرة التي تقل سيدنا طربيه فسألته عن الموضوع أجابني: لم نرسل اللابتوبات حتى اللحظة الى لبنان». نفهم من كلام طبيب التجميل أن الهبة لا تزال عند المصدر. فلنتأكد أكثر علنا نحسم الجدال بين الناشطين وأولياء الطلاب في البترون حول الهبة المنتظرة منذ عام.

 

لم ينس أحد المؤتمر الصحافي الذي عقده المركز الكاثوليكي للإعلام في تموز 2021 ليعلن: «أنه بمبادرة من أبرشية مار مارون في أستراليا تم إطلاق مشروع تقديم هبة عينية من خمسين ألف جهاز كومبيوتر محمول لتوزع مجاناً على الطلاب في المدارس الكاثوليكية في لبنان بهدف تأمين التسهيلات اللازمة لهم لمتابعة التحصيل العلمي عن بعد». والسؤال، هل الموضوع مثل كمون بلادنا… على الوعد؟

 

المستشار التربوي في اتحاد ولجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة نعمة نعمة قد يملك جواباً أو معلومة؟ فلنسأله عن الموضوع – اللغز. هو لا يعرف – أو لم يكن يعرف أيضا – شيئا. ويقول: «حاولنا أن نستقصي عن الموضوع فسمعنا أن الأب يوسف نصر قال أن قسماً من اللابتوبات قد وصل ويوزع على المدارس وقسم آخر سيصل. لكن، ليس لدينا أي دليل أو آلية تحدد صحة ما حصل. وصلت؟ طلعت؟ وزعت؟ لم نعرف شيئاً ولا أحد يعطينا معلومة. ولا نعرف من سيوزع اللابتوبات: الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية أو وزارة التربية أو وزارة الشؤون الإجتماعية أو كاريتاس؟ في كل حال، لا نعرف كل المساعدات التي تصل الى المدارس أين تذهب.

 

الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية يفترض أن يكون لديها جواب. ناشطو وفاعليات البترون حاولوا مراجعتها ولم يحصلوا على جواب شاف. فهل يمكن لأمينها العام الأب يوسف نصر حسم الموضوع؟ يجيب: «إلتقيتُ المطران طربيه في حزيران الماضي وأخبرني أنه يفترض أن تصل الهبة قريباً. وأستطيع أن أحسم عبر «نداء الوطن» أنه لم تصلنا أي حبة من أجهزة الكومبيوتر المحمول حتى الآن. ولا واحد. والسبب قد يكون إقفال الحدود الذي فرضته جائحة كورونا». لكن، لماذا لم يصدر أي بيان يشرح ذلك ويحسم الأمر بالنسبة الى من يحلل فيه؟ يجيب «أنا مع أن تتواصل الفاعليات التي تسأل مع أستراليا. نحن أخبرنا المطران طربيه أن الأجهزة ستصل، إبتداء من أيلول المقبل، على دفعات. أول دفعة ستتشكل من 2000 جهاز، على أمل أن تتوالى الدفعات وتصل الهبة كاملة. ويستطرد: اللابتوبات ستكون من نصيب كل شرائح المجتمع، ونحن نعدّ دراسة في الأمانة العامة حول من يستحقون الحصول عليها لأن الكمية لا يمكن أن تغطي الجميع. هناك خمسون ألف لابتوب يفترض أن تصل. ونحن ننوي أن نبدأ في توزيعها على المدارس في الأطراف وعلى الطلاب الأكثر حاجة بناء على دراسة نعدها. ولن توزّع عشوائياً بل وفق معايير». هل حُددت حصص الأقضية مثلا؟ يجيب «لن توزع في البداية على الأقضية بل، كما قلت، على الأطراف، ويمكن أن تعطى المدارس الكاثوليكية في البقاع والشمال أكثر من سواها لأنها أكثر حاجة».

 

الدراسات اُنجزت

 

يتكلم الأب نصر وكأن لا مشكلة في الموضوع، وكأن لا «مناوشات» كلامية في الأقضية ولا كمية من التحليلات والإستنتاجات وبالتالي، ما دام الأمر يسير بشكله الطبيعي فلماذا لا يصدر بياناً يحدد أسباب التأخير ويقول: ستصل اللابتوبات على دفعات إبتداء من أيلول؟ يجيب: «لا بُدّ أن يعرض الموضوع لاحقاً من خلال مؤتمر صحافي حين ننتهي من إعداد الدراسات والمعايير». لكن، هل يجوز أن تكون الدراسات لم تنته بعد على الرغم من كل التأخير الحاصل؟ يجيب الأب نصر: «أنجزنا الدراسات على مئة مدرسة من أصل 320 مدرسة كاثوليكية تضم 185 ألف تلميذ».

 

المطران طربيه أتى هذا الصيف الى لبنان وغادر. هو الآن في سيدني. فهل يمكن أن نعرف منه مباشرة عن لغز البحث الطويل عن اللابتوبات في لبنان؟ جواب سيدنا الوحيد والمباشر والقصير: «ستصل قريباً. تأخر الأمر لكنها ستصل لاحقاً على دفعات. وما يهمنا من كل الموضوع هم التلاميذ».

 

لا يريد سيدنا الإسهاب في الكلام كي لا يأخذ منحى آخر.

 

«يا دارة دوري فينا ضلي دوري فينا». وكأن أغنية فيروز هذه تصلح لتُغنى في الموضوع لأكثر من سببٍ وسبب. فالهبة تأخرت كثيراً في الوصول. لا بيان واضحاً معلناً يشرح سبب تأخيرها. الفاعليات ضائعة. التحليلات كثيرة والأجوبة التي حصلنا عليها اليوم من مصدرين: المطران طربيه والأب نصر وحدها قد تشفي بعض غليل من يسألون. لكن، يحتاج الأمر، نكرر، الى إعلان رسمي من أجل قطع دابر الإتهامات.

 

لم تصل اللابتوبات المقدمة كهبة من أستراليا الى طلاب المدارس الكاثوليكية في لبنان. قيل هذه هي الحقيقة. ستصل دفعتها الأولى في أيلول المقبل؟ هذا ما وعد به المطران طربيه والأب نصر. نصدق. نريد أن نصدق. ننتظر.