إذا كان لكلّ قول أو لقاء حكاية أو رسالة، فلا يمكن أن يفهم لقاء رئيس “التيار الوطني الحر” وتكتل “لبنان القوي” الوزير جبران باسيل مع العسكريين القدامى قبل يومين في منزله في اللقلوق، إلا من باب كونه رداً على استقبال عديله النائب شامل روكز لمعارضي “التيار” ومعهم شخصيات عسكرية متقاعدة مطلع الشهر الجاري.
قبل اللقاءين كان ثمة مشهد بني على خلفية مطالب العسكريين، وأظهر روكز في موقف المتضامن مع هؤلاء حتى الرمق الأخير في مقابل تنكّر “التيار الوطني الحر” لمطالبهم. لكن إلى الرسالة السياسية التي حملها لقاء اللقلوق- 2، والتي قد تكون عملية شدّ حبال بين “صهرين” يريد كلاهما الفوز بقاعدة التيار الشعبية والدخول منها إلى حيثية قيادية في المستقبل، لفتت صراحة باسيل في تقديم الوضع الاقتصادي، بالإضافة إلى كلامه الحزبي المتعلق بـ”التيار الوطني”.
في الشق الاقتصادي وصف باسيل الوضع الحالي بأنه “خطير للغاية”، قائلاً: “نحن لا نسير باتجاه الإفلاس بل صرنا في الهاوية فعلاً إذا لم نستدرك الأمر بخطة اقتصادية ناجحة تؤمن لنا الخروج الآمن من الأزمة من اليوم وحتى العام 2020”. وتحدّث عن “حاجة لبنان إلى أي مشروع يؤمن مداخيل إضافية في بلد تفوق مدفوعاته الـ 20 ملياراً فيما لا تتعدى مداخيله 2 مليار، وفي وقت تدفع الدولة 36 بالمئة من مصاريفها على رواتب القطاع العام”، محذّراً من “أننا إذا استمرينا على هذا النحو فقد يأتي يوم تصبح فيه ودائع المصارف حبراً على ورق”. وعرض لخطورة “وجود 100 دعوى لشخصيات يهودية ضد 12 مصرفاً بتهمة دعم الإرهاب، وهذه الدعاوى قد تستغرق وقتاً للبتّ فيها وقد تلجأ أميركا الى اتخاذ قرار بشأنها بشطبة قلم”.
تطرّق باسيل إلى موضوع الفساد والسرقات واستحالة المحاسبة في بلد طائفي كلبنان مقدّماً أمثلة على مؤسسات تعبق بالفساد وعصية على المحاسبة، وعن الهدر في مشاريع تنفّذ بمليارات الليرات وتفوق كلفتها بدل الكلفة الحقيقية لينتهي إلى القول: “إذا استمرينا على هذه الحال رايحين على مطرح مش عاملين حسابه”، معلناً عزم “التيار” على تقديم خطة اقتصادية إنقاذية. لم يدع رئيس “التيار الوطني الحر” كبيرة أو صغيرة إلا وتعرّض لها في الموضوع المالي والاقتصادي، في حديث قصد من خلاله تبيان خلفيات موقف التيار المتعلق برواتب العسكريين المتقاعدين، حيث هدف هؤلاء إلى استيضاح الموقف المعارض لتحرك العسكريين المتقاعدين، ما دفع باسيل إلى “التحدّث بالحقائق كما هي” متوجهاً إلى العسكريين بالقول: “لا يغشنّكم أحد، إذا أخذتم مكتسبات وانهارت الليرة فماذا تستفيدون”، وأكمل منتقداً “هؤلاء يحاولون دق الاسفين بيني وبينكم” مضيفاً: “هل يمكن أن أقول الوقائع عكس ما هي وأكذب عليكم بكلام شعبوي؟ أنا رجل في موقع المسؤولية يتوجب عليّ التحدث بالحقائق كما هي”. واستشهد خلال اللقاء بصربيا التي اضطرت، لمواجهة أزمتها الاقتصادية، إلى تقليص رواتب الموظفين لفترة ثلاث سنوات وأعادتها إلى ما كانت عليه بعد انحسار الأزمة.
وزير الخارجية شدّد على أن “الأوضاع ستتجه في نهاية المطاف نحو اتباع سياسة تقشف لا بد منها ولا بد من إلغاء بعض المجالس وترشيد نفقات مجالس أخرى”. اللقاء الذي أراد من خلاله الضباط المتقاعدون “شرح حيثيات المرحلة الماضية وتبديد الهواجس التي على أساسها ظهر “التيار الوطني الحر” وكأنه التيار الوحيد الذي هاجم المؤسسة العسكرية وحقوق المتقاعدين”، فُهم على كونه جاء رداً على اللقاء الذي عقده النائب شامل روكز بداية الشهر لمجموعة من معارضي التيار والعسكريين القدامى.
وباسيل الذي تمنى على الحاضرين عدم تسمية الأشخاص بأسمائهم، حرص على توضيح كل ما شهدته المرحلة السابقة في ما يتعلق بحقوق العسكريين المتقاعدين قائلاً: “أوعا تفكروا حدا بيقدر يدق اسفين بين التيار والجيش أو المزايدة على التيار في هذا الموضوع” داعياً الحضور إلى “الهدوء مع ضرورة أن نقود الشارع بعقلانية بعيداً من الانفعال”، وأضاف: “البوصلة الصحيحة هي التي تقود نحو الحوار وليس باتجاه الهوبرة”.
وحرص رئيس “التيار” على أن يضع الأمور في نصابها الصحيح، ليتبيّن من خلال اللقاء وما قيل خلاله وكأن الحساسيات بين صهرَيْ العهد لم تعد خافية وإن كانت أشبه ما يكون بحرب باردة، عمادها توزيع رسائل على خلفية الحرص على المؤسسة العسكرية وحقوق المتقاعدين.