..«لا تنتظروا دعوة من أحد من أجل (مؤتمر) دوحة ثانية، العالم كله محاصر بأولويات واهتمامات أخرى. عليكم أن تقلّعوا شوككم بأيديكم. لا تتركوا الأمور تصل إلى حد استقالة الحكومة فتكونون بذلك كمن يخرّب بلده بيده».. عبارة رددها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه في كل المحطات التي زارها في لبنان، بدءاً من عين التينة مروراً بالسرايا الحكومية وصولاً إلى مقر المطرانية المارونية في بيروت، وكذلك في اللقاء الذي جمعه بقياديي «حزب الله».
هل هي مجرّد نصيحة تقليدية يدلي بها كل زائر أجنبي للبنان، خصوصاً أن لارشيه لا يمثّل الحكومة الفرنسية؟
وقائع اللقاءات مع الضيف الفرنسي تبوح بغير ذلك، يقول أحد السياسيين اللبنانيين الذين التقوه في إحدى المحطات، موضحاً أن لارشيه نفسه كشف في المحطة المشار إليها أن زيارته جاءت تعويضاً عن الزيارة التي كانت مقررة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت وتم إرجاؤها. ولم يُخفِ لارشيه أمام أحد أصدقائه اللبنانيين وهم كُثُر ولا يزال على تواصل معهم منذ ما قبل انتخابه رئيساً لمجلس الشيوخ أن زيارته لبيروت يمكن أن تفتح أبواباً أكثر في الاستحقاقات المطروحة كونه لا يمثّل الحكومة الفرنسية باعتبار أنها «طرف»، وهي الصفة نفسها التي ستقوده إلى طهران في الأسبوع الأول من كانون الأول المقبل، حيث سيناقش مع المسؤولين الإيرانيين العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية بين فرنسا وإيران، وكذلك أوضاع المنطقة ومن بينها لبنان واستحقاقه الرئاسي.
وإذ لَمَسَ الصديق اللبناني من الضيف الفرنسي اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بدور فرنسي مع إيران حول الاستحقاق اللبناني «تجنباً لتدخّل أميركي مباشر له أكلافه»، لم يخفِ لارشيه أن البابا فرنسيس، الذي تربطه صداقة شخصية به، تمنّى عليه مؤخراً زيارة إيران والتركيز في محادثاته مع المسؤولين الإيرانيين على الانتخابات الرئاسية في لبنان.
والمعلوم أن الفاتيكان يُجري اتصالات ديبلوماسية مع إيران من دون انقطاع بشأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني، علاوة على تمنّيه الدائم على دول أخرى يمكن أن يكون لها تأثير على إيران للاضطلاع بدور مماثل.
لكن يبقى السؤال: ما الجديد في هذا الحراك الفرنسي طالما أن طهران ما زالت توصد الأبواب أمام هذا الاستحقاق، سأل أحد الذين التقوا الضيف الفرنسي، فأجاب لارشيه: «لا يمكن أن يبقى لبنان من دون رئيس، لا يمكن لأي خيار آخر أن يكون مجدياً إذا لم يُنتخب رئيس للبنان قبل أي شيء آخر. العالم كله منخرط في أزمات كبرى ولا يمكن انتظار حلول من الخارج، وفي الوقت نفسه واشنطن والفاتيكان وموسكو كما باريس مهتمّون بإنجاز هذا الاستحقاق قبل حلول العام الجديد، لأن الانتظار أكثر وأكثر قد يُدخل لبنان في أزمات أكبر المجتمع الدولي بغنى عنها».
واستطرد لارشيه هنا ليسند منطقه بشهادات لبنانية أبرزها من رئيس الحكومة تمام سلام الذي خرج من لقائه معه بانطباعات «مقلقة»، سببها الرئيسي «قلق» سلام المتفاقم من تردّي الأوضاع الداخلية بدءاً من المناخات السياسية السائدة وصولاً إلى ملف النفايات المتعثّر، والتي تنذر بـ»عواقب وخيمة» لن يقوى لبنان على مواجهتها.
لارشيه الذي يعرف لبنان جيداً، والذي زاره مراراً وتكراراً قبل تولّيه منصب رئاسة مجلس الشيوخ، وله صداقات واسعة فيه أمثال الوزير السابق ميشال إده والصحافي الراحل غسان تويني، يعرف جيداً، كما قال لمحاوريه، أن مواصفات الرئيس توازي بأهميتها أهمية انتخاب رئيس، وهو لذلك استرسل في الحديث عن ضرورة أن يكون الرئيس توافقياً و«عامل جمع» بين اللبنانيين يقبل به الجميع ولا يشكّل تحدياً لأحد.
وأراد لارشيه في زيارته هذه تذكير اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً بأهمية هذا الموقع بوصفه «الضامن للوجود المسيحي في لبنان وفي الشرق الأدنى». كما ذكّر بأهمية العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية التاريخية، وبحرص فرنسا التاريخي على لبنان وعلى دوره وعلى دور المسيحيين فيه: «كلما قام مسؤول فرنسي بزيارة للبنان كانت على جدول أعماله محطة أساسية وثابتة هي البطريركية المارونية التي لم تغِب عن أي زيارة لأي مسؤول، والدليل أنه عندما علمنا بغياب البطريرك مار بشاره بطرس الراعي عن لبنان تمنّت السفارة الفرنسية في لبنان على البروتوكول البطريركي توفير لقاء مع من يمثّل غبطة البطريرك»… قال لارشيه في محطته الأخيرة من الزيارة في مطرانية بيروت للموارنة.. ومشى.