Site icon IMLebanon

لاريجاني… المفتاح لم يعد في بيروت

 

لا تبدو طهران قادرة حتى الآن على استعادة المبادرة، سيّل الإجراءات في مواجهة نفوذها الذي بدأته واشنطن بالخروج من الإتّفاق النووي واعتباره خطأً يجب العودة عنه، وإطلاق رزم العقوبات الموجّهة ضدّ اقتصادها والكيانات المرتبطة بها والأشخاص الداعمين لا يبدو مشرفاً على نهاية منظورة. وبالتوازي مع هاتين الثابتتين يستمر شريط الأحداث الميدانية الذي خرج من دائرة السيطرة الإيرانية ليدخل في خانة الإستنزاف المفتوح في كلّ من سوريا والعراق واليمن. كلّ ما يدور في الساحات المذكورة يعبّر عن قصور إيراني عن مواكبة المتغيّرات والتقاطعات الدولية وشبكة المصالح وغياب القدرة الإيرانية على تصدّر الحدث أو الشراكة من موقع النديّة.

 

في بغداد أول العواصم العربية التي سقطت في دائرة التأثير الإيراني يرتفع إيقاع الشارع الغاضب وتفرض الساحات المكتظة بالمواطنين الغاضبين دقائق الحياة السياسية . تراجعات السيد مقتدى الصدر المتمتع بالأكثرية النيابية عبّر عنها  فشله في قيادة الساحات تارة وتارة أخرى الفشل في فضّ الإحتجاجات وفي فرض مرشحه محمد توفيق علاوي، ليس فقط على الحراك لاسيما في المحافظات الشيعية بل على اتّحاد القوى العراقية وهي الكتلة السنيّة الأكبر في البرلمان وعلى الكتل الكرديّة. هذا بالإضافة الى سيّل الإتّهامات  التي يواجهها الصدر، بالرغم مما يمثّله على الساحة الشيعية، بالتماهي مع إيران وبمحاولة الإستئثار بالتمثيل الشيعي.

 

وفي سوريا يبدو المشهد الإيراني شاحباً وقد تآكل وهج الخطاب المرتكز على مكافحة الإرهاب وحماية النظام كجزء من محور المقاومة من جهة وحماية العتبات المقدسة من جهة أخرى. تخلّفت كلّ الأدوار الإيرانية  المزعومة عن مواكبة التفوّق التركي في تثبيت المنطقة الآمنة في الشمال السوري، وعن التعايش مع ميزان القوى الأميركي في شرق الفرات وتقبّل أفول دورها الميداني في معارك حلب وتفرّد النظام في إعلان النصر. وتضيق المساحة أمام أي دور لإيران مع  غيابها القسري عن الصراع بالوكالة حول إدلب والذي سيفضي الى خروج الميليشيات والتأسيس لمرحلة تطبيع العلاقات الروسية – الأميركية على الجغرافيا السورية.

 

لا شك أنّ رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الذي وصل بيروت في زيارة رسمية، قيل فيما بعد أنها أتت تلبية لدعوة من الرئيس نبيه بري والتي غادرها بطريقة مفاجئة متوجهاً الى بغداد، يدرك تماماً مآلات الأمور في العواصم التي سبق وأعلنت إيران السيطرة عليها. تصريحات المسؤول الإيراني في دمشق لم تقارب من قريب أو من بعيد الوساطة ما بين سوريا وتركيا التي أعلنت إيران عن رغبة أكيدة في القيام بها لتخفيف التوتر بين البلدين. فربما أدرك السيد لاريجاني أنّ شروط وقف إطلاق النار في إدلب إجاباتها في واشنطن وموسكو وليس في أنقرة أو دمشق. وهو ما تؤكّده التصريحات الأميركية الداعمة للموقف العسكري التركي وحق تركيا في تأمين أمنها القومي والإصرار الروسي على التمسّك بالدور التركي في ظلّ الإلتزامات المعقودة في شوتشي. وربما أدرك لاريجاني كذلك أنّ القبول العربي والغربي بتقدّم الجيش السوري في حلب بدعم من روسيا يلاقي الرغبة في الحدّ من النفوذ التركي في شمال سوريا، كما يشكّل مخرجاً للنظام الذي يبحث عبثاً منذ اندلاع الحرب عن بقعة ضوء بعيداً عن إيران.

 

هدوء لاريجاني الذي زار كلّ الرئاسات بما فيها رئاسة الحكومة، والذي أبدى الإستعداد لمساعدة لبنان في حلّ مشكلة الكهرباء وفي القطاعات كافة، لم يستطع إخفاء ملامح المقاتل الباحث عن إستراحة لمحارب مرهق . لاريجاني الذي حاول تقديم إيران للبنانيين بوجه مختلف، يدرك أنّ مفتاح الأبواب الموصدة بوجه إيران لم يعد في بيروت.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات