Site icon IMLebanon

لاريجاني جاء ليلقي هدوءاً لا حرباً

 

في خضم احتدام النزاع على حلبة الشرق الأوسط بين القوى المتحاربة مباشرة أو بالوكالة، تجهد «الإدارة الإيرانية» في تفعيل الانخراط في «حروب النفوذ» لاستثمار مواقعها الجيوسياسية الممتدة على مساحات المنطقة العربية والخليجية، لشدّ العصب وتنسيق المواقف بين أركان «محور المقاومة».

 

من هذا المنطلق، جاءت زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بيروت، إحدى العواصم الأربع التي تحدث عنها الإيرانيون، أنّها تخضع للنفوذ الفارسي. وبغض النظر عن التداعيات السلبية التي يمكن ان تلحقها الزيارة بلبنان، لناحية إمكانية حجب المساعدات المالية والاقتصادية الغربية والخليجية عنه، كان لافتاً ما سُرّب في الكواليس السياسية عن أنّ الزيارة لم تأتِ بدعوة رسمية من الدولة اللبنانية، قبل ان يستلحق الرئيس نبيه بري الأمر ويعلن أنّه من وجّه الدعوة للمسؤول الإيراني لزيارة بيروت.

 

ولاريجاني المعروف أنّه يحوز ثقة المرشد الأعلى علي خامنئي، ولا يستفز المجتمع الغربي، لا يبدو، بحسب المتابعين للمسار الإيراني، أنّه يحمل «خرائط حرب» في جعبته أو أقلّه تصعيداً في المواجهة، بل على العكس. فتوقيت الزيارة، يشير إلى انّ الرجل يحمل سلاماً وهدوءاً لجبهات «محور الممانعة»، خصوصاً بعد خيبات متتالية حصدها النظام الإيراني على أثر مقتل القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني، وتراجع معسكر القوة في إيران، والتضعضع في «المحور الممانع»، إلى فقدان معظم التأثير الإيراني في الساحة السورية، وهو ما تكرّس أخيراً بعودة حلب الى السيادة السورية بدعم روسي كامل، واقتراب المعركة الفاصلة في إدلب على ما يبدو، والتي تتزامن حالياً مع مفاوضات روسية- تركية.

 

فاللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سبق وصوله الى بيروت، حمل كلاماً ديبلوماسياً وتنسيقاً بديهياً بين «رفاق المحور» من دون خريطة طريق تخوّل الأسد تقديم وعود يعجز عن الالتزام بها ولو على أرضه.

 

لذا، فإنّ بيروت، هي القلب النابض لتأثير السياسة الإيرانية. فحجم التحكّم الإيراني بمسار السياسة اللبنانية كبير. وقد تزامنت زيارة لاريجاني مباشرة بعد عاملين، الأول، إزاحة الستار عن نصب قاسم سليماني في الجنوب، والثاني، بعد كلام للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، تحدّى فيه «الجبروت الأميركي من مخبئه»، وحمل تبنياً واضحاً لحكومة حسان دياب.

 

وفيما تفتش الحكومة اللبنانية الجديدة عن قنوات تنساب عبرها الى الدول العربية والخليجية للحصول على الدعم المادي والمعنوي، ولم تتلق من الدول العربية والخليجية إلّا النذير من التهنئة، أتت زيارة لاريجاني لتواكب الانطباع بأنّ لبنان هو تحت الوصاية الإيرانية، وضمن «محور المقاومة»، وورقة تفاوضية مهمة تستخدمها طهران في أيّ مواجهة او مفاوضات، نظراً لموقعه الجغرافي والسياسي والاقتصادي.

 

كما أعادت الزيارة الى ذهن اللبنانيين، تصنيف بيروت كعاصمة إيرانية من ضمن العواصم الأربع، فيما بات ملموساً أنّ ايران فقدت واحدة من هذه العواصم، وهي تسعى اليوم الى جمع الأوراق من اليمن الى بغداد فبيروت، في محاولة لتأمين التفوّق المطلوب على مستوى موازين القوى في معركتها الديبلوماسية مع الغرب.

 

واكّدت الزيارة، أنّ حكومة حسان دياب هي تحت العباءة الإيرانية، مهما أطلق الرجل من شعارات لإضفاء طابع الحيادية عليها.

 

ويقول المطلعون على السياسات الايرانية، إنّ الجانب الأهم من الزيارة هو التنسيق، وانّ اللقاء مع المسؤولين اللبنانيين حتّمه البروتوكول، فيما اللقاء الأفعل كان مع قيادة «حزب الله». وهذا التنسيق لا يعني تصعيداً مع المجتمع الدولي أو على الحدود الشمالية مع اسرائيل، ولو أنّ احتمالات المواجهة مطروحة دائماً في الأجندة الايرانية، فالزيارة اتت لتضمن المحافظة على قواعد الاشتباك وضوابط اللعبة، وانّ إزاحة الستار عن تمثال سليماني في الجنوب، لا يعني تهديداً ولا تصعيداً ولا مواجهة، إنّما مجرّد نُصُب يعبّر عن وجدان المقاومين وبيئة المقاومة.

 

ماذا ينتظر اللبنانيون؟

تتصرّف إيران وفق قاعدة طبعت مسرح العلاقات الدولية عبر العمل على توسيع النفوذ وإقامة التحالفات، لا بل وضعت قواعدها الخاصة التي تنطلق من إيديولوجيتها، في محاولة للسيطرة على القرارات السياسية للدول التي لها أذرعاً فيها، ولبنان، من بين هذه الدول، التي بفعل أخطاء الفريق السيادي انتقل من وصاية إلى أخرى.

 

وانطلاقاً من هذا الواقع، وإلى حين تكشف تبعات زيارة المسؤول الإيراني لبيروت، أسئلة عدّة يطرحها اللبنانيون، خصوصاً بعد انطلاق انتفاضة 17 تشرين، وإعلان أطراف التسوية الرئاسية، من معراب الى بيت الوسط، سقوطها، هل سنكون أمام سياسة جديدة تعيد لمّ الشمل لمن شكّلوا في الماضي مدماك حركة 14 آذار، لتشكيل تحالف يقف في وجه «حزب الله» ويشلّ حركته؟ وكيف سيترجم الرئيس سعد الحريري خطاب 14 شباط، خصوصاً بعد دعوة سمير جعجع «المستقبل» و»الاشتراكي» إلى اتخاذ القرار بالمواجهة الشرسة؟ وكيف يمكن دفع الدول العربية إلى التخلّي عن سياسة الانكفاء عن لبنان؟