على رغم كل التحليلات والتعليلات، لا يجوز أن يكون الحوار بين “تيّار المستقبل” و”حزب الله” من أجل الحوار وكي يحسب الناس أن الخلافات الطويلة العريضة بين الفريقين قد سُوّيت، وتمّ التفاهم والاتفاق على فتح صفحة جديدة.
أما بالنسبة إلى الفراغ الرئاسي الذي يشلّ الدولة والمؤسّسات ودورة الحياة الطبيعيّة في كل لبنان، فإن الأيام المقبلة ستتولّى بتطورّاتها والمتابعات بين الفريقين التمهيد المطلوب للاستحقاق، وللرئيس التوافقي الذي شبع الناس كلاماً عنه وحوله طوال الأشهر السبعة المنصرمة.
ثمّة اتجاهان في الوسط السياسي: الأوّل يميل إلى التأكيد أن الوقت لم يحِن بعد لـ”ملء الفراغ الكبير في الدولة”، ولأسباب متداخلة بين محلّي وخارجي. وبين أفرقاء يشكّل لبنان بالنسبة إليهم “وسيلة ضغط” في أمور وملفّات أخرى. هنا يبرز اسم إيران ودورها عبر برنامجها النووي، وكباشها المُزمن حوله مع الغرب وزعيمته أميركا.
أما الاتجاه الثاني فيعتبر أن الملف النووي لا يحتاج إلى الفراغ الرئاسي في لبنان، بقدَر ما هو يتّصل مباشرة بدول المنطقة الأساسيّة، وبالحروب التي تكاد تمحو بلداناً كبرى وتاريخيّة كسوريا والعراق وليبيا واليمن.
بناء عليه، من المفترض والبديهي أن يتولّى الحوار هذه المهمة. بل فليكن الموضوع الرئاسي هو البند الأول والأخير في “الجدول الثاني” للحوار، وبعد الانتهاء من الجولة الأولى وإشباع الجدول الأوّل درساً.
فما حكّ جلدك مثل ظفرك. صحيح أ ن طهران لها كلمتها المسموعة لدى شريحة كبيرة شعبيّاً وسياسيّاً، إلا أنه يُنسب إليها القول إن الرأي في الموضوع الرئاسي عائد إلى “حزب الله”. والحزب يقول بدوره إن الكلمة للجنرال ميشال عون. والجنرال عون لا يزال عند شرطه الوحيد: أنا أو لا أحد.
طبعاً، هذا ليس كل شيء. ومن تحصيل الحاصل انتظار بدء الحوار، ومتابعة مجرياته ونتائجه.
وعند هذه النقطة بالذات تجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الذي حلّ أمس ضيفاً على الرئيس نبيه بري ثمّن وقدّر عالياً مبادرة الحوار التي قام بها الرئيس برّي، “مما أفسح في المجال للحوار الأخوي البنّاء بين التيّارات السياسيّة الفاعلة”.
وفي رأيه أن هذه المبادرة من شأنها تقريب وجُهات النظر. و”بطبيعة الحال فإن المشاكل السياسيّة العالقة على الساحة اللبنانيّة هي أمر يخصّ اللبنانييّن أنفسهم”. هذه الإشارة فسّرها الخبراء وفطاحل السياسة بأنها تعني الفراغ الرئاسي الذي لا علاقة لإيران به… لا من قريب ولا من بعيد.
على طريقة غسل اليدين من الاستحقاق المعلّق، وتحميل “النُخب السياسيّة اللبنانيّة” مسؤولية إيجاد المخارج اللازمة.