لا يزال رحيل فيديل كاسترو يترك اصداءه في مختلف انحاء العالم، وبالذات في القارة الاميركية وتحديداً في بلدان اميركا اللاتينية التي عرفت هذا المناضل الكبير مقاتلاً شرساً في وجه قوى الاستعمار والبلدان التي استلبت حقوق البلدان المستضعفة، بالرغم من ان بعضها، مثل كوبا على سبيل المثال لا الحصر، تنعم بطبيعة خلابة وبإمكانات زراعية، خصوصاً بإمكانات طبيعية سياحية مشهود لها.
لقد التزم فيديل كاسترو النضال العسكري المباشر من خلال قيادته الثورة مع رفيقه الشهير تشي غيفارا الذي رفض عروض الرفيق كاسترو بأن يسند اليه حقيبة وزارية في حكومة الثورة بعد نجاحها، وقرر ان يواصل المجابهة مع قوى الاستعمار والاستئثار واتباعها… كما التزم كاسترو، ايضاً، النضال من خلال الحكم عندما »ناطح« الولايات المتحدة الاميركية التي اعدّت له مئات (اجل مئات) محاولات الاغتيال، وفشلت كلها. ولم تكتف واشنطن بذلك، بل نظمت عملية الغزو (من منفيين كوبيين) فكان النزول الفاشل في »مضيق الخنازير«.
عايش كاسترو العمالقة في زمنهم، ولعله آخر من يرحل من بينهم بعد جمال عبد الناصر والملك فيصل، وجون كنيدي وخروشوف، وجوزف بروز تيتو، وماوتسي تونغ، وجواهر لال نهرو وسواهم. ورحل من دون ان يمنح الولايات المتحدة فرصة النيل منه.
ولما اقعده المرض تنحى لمصلحة شقيقه الرئيس الكوبي الحالي راؤول كاسترو (مواليد ١٩٣١) بينما هو من مواليد ١٩٢٦.
انه احد الرجالات القلائل الذين لا يتكررون.
فهذا الزعيم الكبير هو ابن مهاجرين اسبانيين جاءا الى كوبا وعملا في الزراعة، اما هو فدرس الحقوق في جامعة العاصمة هافانا وتخرّج منها في العام ١٩٥٠… وادمن الثورة منذ شبابه اذ شكّل قوة قتالية وهاجم احدى الثكنات العسكرية فسقط ٨٠ من اتباعه وألقي القبض عليه وحكم وسُجن…
اخطر الاحداث التي ميّزت حياته (ولسنا هنا في معرض تعدادها) كانت ازمة الصواريخ عندما اكتشفت طائرات التجسّس الاميركية منصات للصواريخ السوفياتية منصوبة في كوبا، ما اعتبرته واشنطن تهديداً مباشراً لأمنها، (فقط ٩٠ ميلاً تفصل بين البلدين) فشكلت البحرية الاميركية حاجزاً بحرياً لتفتيش جميع السفن، خصوصاً سفن الشحن، المتوجهة الى كوبا… وكادت أن تقع الحرب النووية بين البلدين الى ان رضخ الزعيم السوفياتي خروشوف لتفتيش سفنه مشترطاً ان تتعهد اميركا بعدم غزو كوبا.
بإختصار لقد طبع هذا الرجل الكبير والعنيد نحو قرن بطابعه الخاص، وهو اليوم بعد مماته ودفن رماده لا يزال مالئاً الدنيا وشاغلاً الناس.
عوني الكعكي