IMLebanon

آخر الشهابيين

يصعب اختصار فؤاد بطرس بكلمات، وقد رحل تاركاً وراءه مسافات من الصمت الذي لازمه منذ أن ابتعد عن خشبة السياسة. واحد من قلةٍ قرر الغياب عن الشاشة منذ أن وهنت فكرة الدولة. قرر التقاعد قبل أن يشيخ، مكتفياً بالتحسر على الزمن الجميل، زمن الدولة، زمن فؤاد شهاب الذي تمثّل به وبزهده في عزّ عطائه السياسي كما في مرحلة تأملاته التي طالت حتى الرحيل.

أمضى آخر عقدين من حياته متأففاً من كل ما يدور من حوله، متحفظاً عن إبداء رأيه بالسياسات وبالسياسيين، حتى إذا أحرجته بسؤال اكتفى بإشارة أو بحسرة على رجال دولة الزمن الماضي تجنباً لموقف من رجال الزمن الحاضر. 

أحلى ما كان يراوده أو يشجعه على الكلام ذكرياته عن المرحلة الشهابية وعن الدولة التي كانت من أهم إنجازات تلك المرحلة، حتى إذا حاولت استدراجه الى مقارنة مع المرحلة الراهنة جاء جوابه مقتضباً: أين هي الدولة! وماذا بقي منها!.

بقي الزهد بالسياسة يلازمه حتى بعد خروجه من السلطة: «عندما عيّن صديقي وشريكي في مكتب المحاماة الأستاذ بهيج طبارة وزيراً للعدل سارعت إليه طالباً منه وقف الشراكة لئلا يقال ان المكتب يستفيد من خدمات السلطة».

واحد فقط تمكن من استدراجه الى السياسة في زمن التقاعد، أو على الأقل الى مناسبة سياسية موضعية هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي رفض تشكيل لائحة انتخابية للمجلس البلدي في بيروت، مرتين في 1998 و2004، من دون استشارة فؤاد بطرس ونيل «بركته» بوصفه ميزان العيش المشترك في بيروت هو ومتروبوليت المدينة للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة.

قيل عنه مراراً وتكراراً أنه دائم التشاؤم، والحق أنه كان دائماً على حق.

سيُكتَب الكثير عن فؤاد بطرس، آخر الشهابيين الكبار، الذين تميزوا بتحفظهم حتى الرمق الأخير، وإن كان رحيل الغائب الكبير جاء هو نفسه تحفظاً عما يدور من حوله وحولنا.