انتهاء مفاعيل لقاء روما بين «الجنرال» و«الشيخ»
آخر متاريس المواجهة.. في الحكومة
لا يكفّ ميشال عون عن إفهام من لم يفهَمهُ بعد أنه «خارج السيطرة» و «لا يمكن توقّع ما يقوم به». يصحّ ذلك في السياسة كما في شؤون «التيار الوطني الحر» الداخلية!
حالياً، يخوض «الجنرال» معركتين حاسمتين على جبهتين منفصلتين، قلّة من الزعامات السياسية تتجرّأ على فعلها في التوقيت نفسه: واحدة داخلية وأخرى «خارجية».
سيكون صعباً استيعاب واقع أن عون، الذي طالما تذرّع بـ «الظروف السياسية الصعبة وغير المؤاتية» لوضع «تياره» على سكة «المأسسة»، يفعلها اليوم في أصعب وأدقّ مرحلة تواجه رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» منذ عودته من المنفى العام 2005. يكفي ان عنوانها الأساسي المرفوع «إما الانتصار وإما الشهادة»!.
ومن كان يتوقّع أن يشغِّل «الجنرال» محرّكات الوسطاء لاستبدال الصورة التي جمعت الرئيس سعد الحريري مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في جدّة بأخرى تجمع «الشيخ» مع «الجنرال» في بيت الوسط او «تجدّد شباب» اللقاء الإيطالي في روما، وجد أن عون انتقل بخفّة البهلواني الى ضفة الخصومة مع «الحريريين». من لا يفي بوعوده لا خبز مهادنة معه على موائد الرابية!
قال ميشال عون ما يجب قوله أولاً في فريق الرئيس فؤاد السنيورة ولاحقاً في الرئيس الحريري وفريقه اللصيق به. بلسانه أكد أن العلاقة سيئة مع «تيار المستقبل»، طاوياً الصفحة مع من ظنّ أن بالإمكان «تغييره وإصلاحه».
وفي مرحلة الإنذارات التي يطلقها عون بوجه كل من يدير ظهره لمطالب يلخّصها رئيس التكتل بأمر واحد وهو «طبّقوا نصوص الطائف»، ينفتح الفضاء البرتقالي مجدداً، وبعد طول غياب، على كل ما يمكن ان يعيد التذكير بارتكابات «التيار الأزرق».
ملف النفايات جاء «شحمة على فطيرة» الغاضبين من المخلّين بالالتزامات، فشكّل بوابة «شرعية» للانقضاض مجدّداً على من كان المحرِّض والمخطِّط لدفع الدولة اللبنانية أكثر من ملياري دولار أميركي لشركة واحدة هي «سوكلين» التي لم تبنِ معملاً واحداً لمعالجة النفايات. ولا بأس من وضع الكرة في ملعب وزير البيئة محمد المشنوق المسؤول وحده، برأي العونيين، عن تنفيذ ما تمّ التوافق عليه في مجلس الوزراء.
وعاد موقع «التيار» الالكتروني ليلعب دور الأب الشرعي لكل المقالات التي تصبّ في خانة كشف آخر فضائح الحريرية السياسية والتمادي في الكيدية على حساب القانون. من الأمين العام السابق لمجلس الوزراء سهيل بوجي الذي لا يزال يحضر الجلسات الوزارية من دون صفة قانونية فيما صفة مستشار رئيس الحكومة، وفق وسائل إعلام «التيار»، لا تخوّله حق الاستمرار في الجلوس الى جانب الوزراء، الى الارتكابات داخل مؤسسة قوى الأمن الداخلي على مرأى من وزير الداخلية.
سبق ذلك، في معرض التحمية للانقضاض على سياسة الحريريين، تذكير النائب زياد أسود الوزير نهاد المشنوق «بالمخالفات القانونية والارتكابات المالية الواضحة المعالم في مناقصة اللوحات الخاصة للمركبات والآليات وفي غيرها، والتي تشترك فيها هيئة ادارة السير وموظفوها ومديرها العام»، معتبرا «ان المريب فيها اكثر من واضح ويدين من يشرف ويتولى ويغطي ويتلاعب».
ويكفي رصد «النشرة البرتقالية» على شاشة «او تي في» في الايام الماضية التي لم تبقِ «ستراً مغطى» على من «يريدوننا أهل ذمّة في إمارتهم الحريرية»، مشرّعة «فعل المقاومة» ضدّهم.
وقد انتقلت المحطة من مرحلة وصف الأداء المستقبلي بـ «الداعشية السياسية الباقية والمتمدّدة في السلطة»، الى مرحلة تشبيه التطوّرات التي قادت الى انفجار المواجهة داخل مجلس الوزراء في جلسة 9 تموز «بالنمط الإسرائيلي الإلغائي» إبّان حرب تموز٬ حيث غسل فريق سياسي لبناني يديه من «الشراكة» و «الميثاق»٬ وتراجع عن كل التزاماته نحوه وحاول الاستفراد بميشال عون سياسياً٬ «علّه يجهز عليه وعلى تياره أولاً».
وربّما الأهمّ من ذلك كلّه نفض ميشال عون يديه نهائياً من السعودية التي مارست، برأيه، ما يلزم من الضغوط للجم اندفاعات سعد الحريري العفوية للتوصّل الى تفاهمات الحدّ الأدنى مع الرابية، وإن من بوابة قيادة الجيش. لن يكون مجرّد تفصيل وصف مستشار عون الإعلامي جان عزيز من «تسبّب عن عمد وقصد، بكل المأزق الخطير الراهن» بـ «المجرم» قاصداً مباشرة السعودية.
في الفترة الفاصلة بين جلسة المواجهة وجلسة يوم غد لم يطرأ اي تغيير على ستاتيكو العلاقة «السيئة» بين عون والحريري. غابت تماماً زيارات نهاد المشنوق وغطاس خوري ونادر الحريري الى الرابية، حتّى السرية منها. لا اتصالات، ولا وسطاء على الخط. ولا أجوبة على مطالب ومبادرات الرابية. فقط بعض الأصدقاء المشتركين كان يعمد الى جسّ نبض عون بشأن عناوين المرحلة، ولمّا كان يصطدم بالمطالب و «اللاءات» نفسها كان بيت الوسط يغوص أكثر في صمته وصولاً الى جدة.
صحيح ان المشهد عشية جلسة يوم غد يبدو أهدأ من «البراكين» التي حاصرت جلسة 9 تموز، إلا ان اوساطاً لصيقة بالرابية تؤكّد ان الاجتماعات الداخلية واللقاءات التنظيمية لا تتوقف من باب رفع الجهوزية، في حال تطلّبت تطورات الجلسة المقبلة النزول الى الشارع مجدداً.
ووسط «البلادة» الحريرية في التعاطي مع «الإعصار» العوني، لا تسقط الرابية من حساباتها رغبة خصومها باستخدام ملف النفايات ضدّها لكسر القرار المتّخذ بشأن ضرورة حسم آلية العمل الحكومي ثم الشروع ببتّ التعيينات العسكرية، تماماً كما حين رُفِع بوجه عون قرار دعم الصادرات الزراعية ثم قرار إقرار مخصّصات المستشفيات.
مع العلم، وفق اوساط الرابية، ان مجلس الوزراء غير معني بالأزمة بعد ان قام بواجبه، فيما يفترض بوزير البيئة تطبيق القرارات التي اتّخذتها الحكومة.
لكن ماذا لوّ قرّر العونيون النزول مجدّداً الى الشارع ليُواجَهوا بشارع مضاد عنوانه «حقوق الغارقين في النفايات»؟ يجيب احد المقرّبين جداً من عون «لا بأس.. ستكون النفايات آخر متراس لهذه الحكومة.. والعنوان الذي يمثّلها في المواجهة معنا»ّ.
عون: لا عودة إلى التهميش
أكّد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أن «إسقاط الحكومة ليس من ضمن الأهداف التي يعمل عليها في هذه المرحلة»، مشدداً على أن «الأولوية لديه الآن هي للاعتراض من داخلها ولمواصلة التحرك في الشارع».
وأضاف عون، في حديث إلى وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء «أرنا»، أمس، «أننا نرفض طرح أي بند في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل قبل البحث في آلية اتخاذ القرار داخل الحكومة»، معتبراً أن «القضايا الحياتية مثل قضية النفايات سبق لمجلس الوزراء أن اتخذ القرار بشأنها، ويمكن للوزراء المختصين تطبيق هذه القرارات دون الحاجة للعودة إلي مجلس الوزراء».
وإذ أشار إلى أنه «لم يتخذ حتى الآن قرارا حول توقيع أو عدم توقيع مرسوم الجلسة التشريعية للمجلس النيابي»، أكّد عون رفضه «العودة إلى ما كان عليه الأمر قبل الأزمة الحكومية الحالية»، واعتبر «ان القبول بما كان معتمدا من تهميش هو من رابع المستحيلات ولا يمكن العودة اليه»، مشدداً على أنّ «المطلوب في هذه المرحلة تطبيق الطائف».
وكان عون قد ترأس الاجتماع الدوري لـ «التكتّل» في الرابية، حيث تلا البيان الوزير السابق سليم جريصاتي الذي لفت الانتباه إلى أنّ «جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل عنوانها مقاربة الآلية».
وسأل: «ماذا يعني الحياد في رئاسة الدولة؟ ومن منح رئيس الحكومة تمام سلام حق النقض للمسيحيين الأربعة الأقوياء برئاسة الجمهورية؟»، وأكّد «أنّنا لا نقبل أن يتهمنا أحد بالتطرف، فنحن معتدى علينا»، مضيفاً: «هل التطرف للميثاق والدستور هو تطرف؟ بل إنّها هي عقود ميثاقية بين مكوناتنا فمن يحق له نقضها من فريق آخر؟ نحن معتدى علينا في التمثيل، وما نطالب به هو حقوق مكوننا».
وتوجّه جريصاتي بـ «السؤال إلى وزير الدفاع سمير مقبل عن التشاور مع المكون المسيحي في ما يتعلق بالتعيينات الأمنية، لا سيما بعد أن أعلن الاخير بدء المشاورات مع الفاعليات الدرزية بشأن رئاسة الأركان في الجيش اللبناني»، معتبرا أن «المكوّن المسيحي ليس حرفاً ناقصاً بأي معادلة وطنية».