موازنة حال الطوارئ، لا ترتقي الى مستوى التحديات، إصلاحاتها غير كافية وغير واضحة لمواجهة أزمة الدين العام وكلفته، وأزمة الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد، وأزمة الكهرباء كما جاءت أرقامها غير دقيقة وملتبسة ومستوى عجزها تفاؤلي.
أولاً ـ ملاحظات على أرقام الموازنة:
1 – النمو الاقتصادي: يعتبر معدل النمو المقدّر 1.2 في المئة متفائلاً، إذ انه قارَب الصفر في العام الحالي. ويحتاج النمو الى استعادة ثقة المستثمر والمستهلك، وتنفيذ مشاريع «سيدر»، وبدء التنقيب عن النفط والغاز.
2 – العجز في الموازنة العامة والخزينة: يعتبر العجز المقدّر 7,38 في المئة من الناتج المحلي غير واقعي، فهو لم يتضمّن إجمالي نفقات الخزينة العامة (البلديات)، والمتأخرات، إضافة الى صعوبة التزام السقف لدعم الكهرباء، كما تعتبر الايرادات العامة متفائلة على صعيد الايرادات المرصودة للخزينة العامة ومرفأ بيروت وتسوية مخالفات البناء…
3 – إجمالي النفقات العامة (الموازنة العامة والخزينة العامة): تقدّر بـ 25.6 مليار ليرة، وتتوزّع على النحو الآتي: الرواتب والاجور وملحقاتها والمنافع الاجتماعية 9779 مليار ليرة، تشكّل 38.2 في المئة من اجمالي النفقات العامة، خدمة الدين العام 9170 مليار ليرة، ونسبتها 35.05 في المئة والكهرباء 1500 مليار ليرة ونسبتها 5.86 في المئة. تشكّل البنود الثلاثة الرئيسية 79.11 في المئة من اجمالي النفقات العامة.
4 – سلفات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان: توجد صعوبة في التزام الحكومة سقف 1500 مليار ليرة من دون إجراءات فورية لتطبيق خطة إصلاح الكهرباء.
ثانياً ـ الاجراءات الاصلاحية لضبط نمو الانفاق العام الاجمالي في السنوات الثلاث المقبلة 2020-2022، وخفض العجز المالي الى أقل من 5 في المئة حتى عام 2022:
1 – إصلاحات لاستقرار الرواتب والاجور وملحقاتها والمنافع الاجتماعية في فترة 2020-2022 من خلال:
– تجميد زيادة الرواتب والاجور لمدة 3 سنوات مع الاحتفاظ بحقوق الموظفين ودرجاتهم لاحقاً، يُحَقّق وفراً سنوياً يقارب 125 مليار ليرة. كما تجدر الاشارة الى أنه يتقاعد سنوياً بين 5 و7 آلاف شخص، ما يقلّص تدريجاً حجم القطاع العام وكلفته السنوية بأكثر من 100 مليار ليرة.
– إعادة النظر في التوظيف العشوائي لخمسة آلاف شخص.
– إلتزام تجميد الاحالة على التقاعد لمدة 3 سنوات (إزدادت معاشات التقاعد في موازنة 2020 حوالى 302 مليار ليرة).
– زيادة نسبة الحسومات التقاعدية من 6 الى 8.5 في المئة على غرار موظفي القطاع الخاص.
– إطلاق بشكل سريع ورشة إصلاح النظام التقاعدي في القطاع العام، والبحث مع المجلس الاعلى للدفاع مسألة التدبير رقم 3
ملاحظة: إرتفع بند معاشات التقاعد ونهاية الخدمة من 1400 مليار ليرة عام 2010 الى 3283 مليار ليرة عام 2020.
2 – إجراءات لخفض الدين العام وخدمته في السنوات 2020-2022 بالاتفاق مع مصرف لبنان والقطاع المصرفي، من خلال:
– الطلب من المصارف ومصرف لبنان الاستمرار بعمليات استبدال سندات دين بالليرة اللبنانية مُستحقة في السنوات 2020 حتى 2022 بسندات أخرى بنفس معدلات الفوائد والآجال، ما يحقّق وفراً سنوياً يُقارب 500 مليار ليرة بسبب ارتفاع معدلات الفوائد في الفترة الاخيرة.
ملاحظة: يَكتتب مصرف لبنان بنسبة 51.9 في المئة من إجمالي سندات الخزينة بالليرة والقطاع المصرفي بنسبة 33.6 في المئة.
– الطلب من المصارف ومصرف لبنان الاستمرار بعمليات استبدال دين بالعملات الاجنبية (يوروبوند) مستحقة في السنوات 2020 حتى 2022، بسندات أخرى بنفس معدلات الفوائد والآجال، ما يحقّق وَفراً سنوياً يقارب 180 مليار ليرة نتيجة ارتفاع معدلات الفوائد في الفترة الاخيرة.
– تغطية خدمة الدين الاضافية الناجمة سنويّاً عن زيادة الدين العام من خلال الاتفاق مع مصرف لبنان على شَطب هذه الاضافة من أرباح فروقات الذهب لديه، إستناداً الى المادة 115 من قانون النقد والتسليف، ما يحقّق وَفراً عام 2020 يقارِب 320 مليار ليرة نتيجة زيادة الدين المقدّر بحوالى 6600 مليار ليرة.
– خفض الدين العام من خلال إشراك المؤسسات العامة، لاسيما قطاع الاتصالات، عبر بيع الدولة 35 في المئة من أسهمها للمواطنين، ما يوفّر مداخيل تتراوح بين 2,5 و3 مليارات دولار، وعبر بيع الدولة حصتها في شركات «الميدل ايست» وكازينو لبنان وشركة «إنترا» وبنك التمويل ومرفأ بيروت ومؤسسة ضمان الودائع، اضافة الى إطلاق مشاريع استثمارية بالشراكة بين القطاع العام والخاص.
3 – إجراءات لخفض الدعم تدريجاً للكهرباء ليصِل الى الصفر عام 2022: يعتبر إصلاح الكهرباء أولوية بحيث لم يعد مقبولاً استمرار المشاحنات السياسية لتأخير تنفيذ الخطة الانقاذية.
– رفع التعرفة في بداية عام 2020 بالتزامن مع بناء معامل مؤقتة على البر بطاقة 300 – 400 ميغاوات خلال 6 أشهر.
– إستخدام الغاز أويل بدل الفيول أويل.
– إلتزام سقف لتحويلات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان لا يتجاوز 1800 مليار ليرة عام 2020.
– إجراء مناقصات عمومية عالمية لشراء المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان يحقّق وفراً سنوياً يفوق 300 مليار ليرة.
ثالثاً ـ الاجراءات لزيادة الايرادات العامة بين 1 و1,5 في المئة من الناتج المحلي سنوياً في فترة 2020 -2022، نذكر منها:
– إخضاع استثمارات المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري الى الموافقة المسبقة لمجلس الوزراء. نلحظ في هذا الاطار انّ إيرادات قطاع الاتصالات تراجعت في فترة 2018-2020 حوالى 25 في المئة من 2071 مليار ليرة الى 1550 مليار ليرة، بسبب استثمارات غير واضحة.
– زيادة الرسوم على الدخان بمعدل 500 ليرة لعلبة السجائر من إنتاج محلي و1000 ليرة لعلبة الدخان المستورد، ما يوفّر ايرادات سنوية تفوق 150 مليار ليرة.
– رفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة على السلع الفاخرة (الكماليّات).
– رفع الضريبة على فوائد الودائع من 10 الى 11 في المئة يوفر حوالى 250 مليار ليرة.
– إقرار الضريبة الموحدة التصاعدية على الدخل يوفّر ايرادات تقارب 200 مليار ليرة.
– مكافحة التهرّب الضريبي للضريبة على القيمة المضافة، من خلال فرض الفاتورة التجارية الالكترونية على المؤسسات.
– فرض رسم 3 في المئة على استيراد البنزين يوفّر حوالى 100 مليار ليرة.
لم تعد الحكومة قادرة على التهرّب من مسؤولياتها بعد الاضطرابات المالية المُفتعلة وغير المبررة إقتصادياً ومالياً، والتي حدثت في الاسبوع الفائت، بل عليها تَدارك المخاطر وتشكيل لجنة طوارئ اقتصادية، هدفها إصلاح جذري وجريء للمالية العامة والكهرباء وميزان المدفوعات، ما يُرسل إشارات إيجابية للدول المانحة ووكالات التصنيف، ويُطمئِن الاسواق المالية ويخفّف الضغوط في سوق القطع ومن تَهافت المواطنين على الدولار، ويشجع عودة الرساميل من الخارج، ويُبعد شبح التدهور. إنها الفرصة الاخيرة قبل الوقوع في المجهول.