إنقضى حتى الآن، سنة أو أكثر على أزمة النفايات من دون أن تظهر أية بوادر لحلها وإنقاذ المجتمع اللبناني من مآسيها الصحية والبيئية التي أصبح العالم بأسره يتندر بها، وخلال هذه الفترة من عمر لبنان قدمت حكومة ما يسمى بالمصلحة الوطنية، عدّة حلول للتخلص من هذه الأزمة المستعصية من المحارق إلى المطامر وأخيراً إلى الترحيل، لكن أياً منها لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، وكأن هناك يداً خفية أقوى من الدولة كلها، بجيشها وقواها الأمنية الأخرى وقضائها، تمنع أي حل، ليبقى الوضع على حاله، وتبقى البلد بشعبها أسيرة الأمراض المستعصية والقاتلة في كثير من الأحيان جرّاء تراكم النفايات في الشوارع والأزقة وفي كل الأمكنة تقريباً تبعث الروائح الكريهة والرياح الموبوءة حتى وصلت الأمراض كما تقول آخر الإحصاءات إلى معدلات لم تشهد مثيلاً لها حتى في دول العالم الثالث والرابع، بحيث ذهبت كل محاولات حكومة المصلحة الوطنية أدراج الرياح، وتحولت أزمة النفايات إلى أزمة وطنية تفوق أزمة الاستحقاق الرئاسي، وأزمة تعثر مجلس النواب وانكفائه عن التشريع وارتفاع منسوب الأزمة الاقتصادية إلى حدّ أن أرباب الاقتصاد والمال في البلد اضطروا إلى دق ناقوس الخطر في حين تكاثرت عمليات السرقة والنهب، والاختطاف مقابل فدية وما إلى هنالك من أعمال تدل كلها على مدى ما وصلت إليه الضائقة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وما وصل إليه معدل اللبنانيين الذين هم تحت خط الفقر.
وها هي الحكومة بعد مضي سنة، وأكثر من عمر هذه الأزمة، تعترف بعجزها عن التغلب على تلك القوة الخفية التي جعلت كل اللبنانيين رهائن المرض والأوبئة على اختلافها، وحولت الساحات العامة والشوارع والأزقة إلى مكبات للزبالة، وكأنها تعترف أيضاً بأن هذه القوة الخفية هي أقوى من الدولة ويفضل القول بأنها «مافيا» أقوى من الدولة، مستفيدة أو كانت مستفيدة من وضع الزبالة كما كان قبل نشوب الأزمة، وتقف في وجه كل الحلول التي تطرح لإخراج لبنان من هذا الوضع المزري، ربما لأن هذه الحلول تؤثر سلباً على مدخولها من الزبالة كما على مداخيلها الأخرى المرتبطة بها بشكل أو بآخر.
وأكثر من الاعتراف بالعجز وبالفشل يعلق رئيسها جلسات مجلس الوزراء الضرورية لإقرار جدول الأعمال الذي يتضمن مشاريع وبنوداً لها علاقة مباشرة بتسيير شؤون الدولة وبمعيشة الشعب اللبناني، على أن يكون هذا التعليق في حال لم تحل الأزمة خلال الأيام الباقية من الأسبوع إنذاراً لا يقبل التأجيل بإعلان استقالة الحكومة برمتها احتجاجاً على منعها من حل هذه الأزمة ووضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم وجعل الشعب اللبناني المتضرر الأول من بقاء هذه الأزمة يأخذ المبادرة ويحاسب كل مسؤول وقف في وجه الحكومة، وحال دون تمكينها من إيجاد الحلول الجذرية لأزمة الزبالة.
قد يبدو للوهلة الأولى أن قرار الاستقالة في ظل الشغور الرئاسي وتعثر مجلس النواب له انعكاسات خطيرة، لكن الأمر تعدى إذا نظرنا ملياً إلى استمرار الأزمة بلا حل في خطورته كل ما عداه من الأمور وبات يتطلب عملية جراحية، قد تكون بإستقالة الحكومة.