Site icon IMLebanon

آخر ورقة توت!

أزمة النفايات عرّت السلطة (وجميع المعنيين بهذا الملف من قريب أو من بعيد) من آخر ورقة توت، وباتوا مكشوفين على حقيقتهم كما بات اللبنانيون مكشوفين أمام الأوباء والميكروبات والڤيروسات والجراثيم. وكأنه كان ينقصهم النفايات ليكتمل نِقلهم بالزعرور!

أولاً – إنكشفت هذه السلطة التعسة فإذا هي عاجزة مرتبكة تغطي السموات بالقبوات، تجبن عن قول كلمة الحقيقة إزاء هذه الأزمة… وتجيّر عجزها للمواطنين.

وهذه السلطة العاجزة لا تقول لنا لماذا لم تحرك ساكناً قبل السابع عشر من شهر تموز الماضي (الموعد المضروب منذ أشهر طويلة لإقفال مطمر الناعمة). أجل لماذا لم تبادر قبل هذا الموعد إلى إتخاذ الإجراءات الضرورية؟ ولماذا تتصرف وكأن الموعد فاجأها؟ ولماذا لا تخبرنا من منعها عن إتخاذ الإجراءات إذا كانت فعلاً راغبة في إتخاذها، ومن منعها عن عدم تنفيذها إذا كانت قد إتخذتها فعلاً؟!

ألا يستحق اللبنانيون أن يعرفوا الحقيقة؟

ثم نقل «صلاحية النفايات» من الوزير المعني الى وزير آخر هو أمر أقل ما يقال فيه إنه معيب، ومرفوض بالمقاييس الديموقراطية كلها، خصوصاً وان الوضع الحكومي بقي على حاله وكأنّ شيئاً لم يحصل على هذا الصعيد.

ثانياً – إنكشف الطاقم السياسي (الممثل في الحكم وخارجه) فإذا هو منقسم بين: (1) عاجز. (2) متواطىء. (3) سائل لعابه وراء «لحسة» ولو من… النفايات! (4) حاقد. (5) يرى كل شيء… كل شيء… قابلاً للبيع والشراء.

ويفوت هذا الطاقم ان اللبنانيين يعرفون «القصة» من طقطق الى السلام عليكم. يعرفون من يقبض ومن يُقبّض. يعرفون من «يطلع له» الكثير، ومن يطلع له القليل، ومن لا يطلع له شيء، ومن يطمح بأن يطلع له حصة من جبنة النفايات… وما أدراك ما هي النفايات وجبنتها الدسمة جداً حتى التخمة.

وكم كان السباق الماراثوني معيباً (ونحن في زمن الماراثونات الرائعة التي نهنئ عليها السيدة مي الخليل وفريق عملها) أجل كم كان مخزياً هذا السباق الماراثوني نحو المصالح الشخصية على هامش النفايات وفي صلب قاذوراتها وكريه روائحها!..

ثالثاً – إنكشفنا على مستوى القاعدة الشعبية… فإذا بنا قد تحوّلنا الى شعوب لا يجمع بينها شيء على الإطلاق. فمن يصدّق هذه المذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية التي تكشفّت في أعماقنا لمناسبة أزمة النفايات؟! من يصدق بأي حقد كان أبناء هذه المنطقة يتحدثون عن أبناء المنطقة الأخرى؟ وبأي عنصرية يتحدث أبناء هذه الطائفة عن أبناء الطائفة الأخرى؟ وبأي لؤم يتحدث أبناء هذه القبيلة عن أبناء القبيلة الأخرى.

وإنكشفنا بعدما إدّعى كل منا أنه خبير في النفايات، واستراتيجي في البيئة، وعالم في تحلّل المواد العضوية، وعبقري في باطن الأرض وقعر البحار والمحيطات… في وقت ان الثقافة ضحلة، والبضع كلمات التي تتغرغر بها الحناجر إنما تنم عن أمية مروّعة!

لقد كشفتْنا أزمة النفايات؟

أبعد من ذلك… فضحتنا «حكاماً» (هل لدينا حكام؟) ومحكومين. فإذا نحن نستلذ التخلف، ونستطيب الرسو في ذيل آخر ذيل من العالم الثالث… عشر الذي أصبحنا من روّاده بامتياز.