IMLebanon

الخميس الماضي وعودة لبنان إلى وحدة المسار وسوء المصير 

 

إنّ يوم الخميس الماضي التاسع من تموز 2015 ليس يوماً عابراً في حياة اللبنانيّين جميعاً، مسيحيّين ومسلمين، فهو يومٌ أسود بامتياز إذ أعاد لبنان مرّة أخرى إلى الوقوف على حافة الهاوية، بين فكرة فصل لبنان عن أزمات المنطقة وشعار وحدة المسار والمصير، والذي انطلق مع أحداث 58 بين دولة الوحدة العربية وحلف بغداد، ثمّ بالانقلاب العسكري عام 1961، وصولاً الى اتفاق القاهرة عام 1969 الذي مهّد الى 13 نيسان 1975.. وكلّها أيّام سوداء انزلق فيها لبنان الى هاوية النزاعات الاقليمية والدولية التي صدّعت وأعاقت التجربة الوطنية اللبنانية وهدّدت دولة الاستقلال ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.

بعيداً عن كلّ التفاصيل الفلكلورية المضحكة المبكية، والتي تسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي في آن، حول أسباب ذلك الصدام بين هاتين الفكرتين وتغليفهما بالدستور والصلاحيات وحقوق المسلمين وحقوق المسيحيين، إلاّ أنّ الأمر في حقيقته هو أن هناك فريقاً من اللبنانيين يصرّ على ربط لبنان الآن بوحدة المسار وسوء المصير الذي يشهده كلّ من سوريا والعراق.

إنّ يوم التاسع من تموز 2015 يشبه إلى حدّ بعيد أيضاً ذلك اليوم من العام 1983 الذي غادر فيه وزير الخارجية الأميركية جورج شولتس لبنان معلناً فشل المفاوضات حول ما عُرف باتفاق 17 أيار بعد الاجتياح الاسرائيلي الذي أخرج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وبدء الحديث عن فصل أزمة لبنان عن أزمة المنطقة. وكان ما كان.. وعاد لبنان إلى الاقتتال اللبناني- اللبناني بعيداً عن الصراع اللبناني- الفلسطيني والعربي – الاسرائيلي. وكانت حرب الضاحية الجنوبية و6 شباط 1984.. وكانت حرب الجبل وأحداث زحلة وإمارة طرابلس.. وظهرت مرة أخرى السواتر الترابية بين شطْرَيْ العاصمة اللبنانية..  وعادت كل أشكال النزاعات المحلية والإقليمية والدولية إلى لبنان. وعاد لبنان ساحة صراعات بديلة بجثث أطفاله وشيوخه ونسائه.

إنّ التاسع من تموز 2015 يشبه إلى حدّ بعيد مرحلة ما بعد فشل اللبنانيّين للمرة الأولى في تأمين انتخاب لرئيس الجمهورية في الموعد المحدّد عام 1988 وقيام حكومتين: الحكومة العسكرية والحكومة المدنية، مع خراب حروب التحرير والإلغاء، وأثرها على وحدة المؤسسة العسكرية والوحدة الوطنية.. وكانت الدعوة إلى مؤتمر الطائف للنواب اللبنانيّين محصّنة بإرادة عربية ودولية بفصل لبنان عن أزمة المنطقة. وهذه الإرادة هي البند التأسيسي لوثيقة الوفاق الوطني. وكان ما كان من رفض لهذا الاتفاق، واغتيال الرئيس المنتخب، ودخول البلاد في حال من الانقسام الحادّ، حتى جاء احتلال العراق للكويت وعودة ربط لبنان بوحدة المسار والمصير، وضرب قصر بعبدا وتعطيل تنفيذ اتفاق الطائف.

إنّ التاسع من تموز 2015 يشبه إلى حدّ بعيد التمديد للرئيس لحود وصدور القرار 1559، بعد تحرير الجنوب والانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، وظهور قضية مزارع شبعا وترسيم الحدود لتكون نقطة ربط لوحدة المسار والمصير من جديد، بعد صدور النداء الأوّل للبطاركة والمطارنة الموارنة في عام 2000، وتبلور اتجاهات سياسية تدعو إلى فصل أزمة لبنان عن أزمة المنطقة وتحقيق السيادة على كامل الأراضي اللبنانية، والتي كان ثمنها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان واغتيالات نخبة من القيادات اللبنانية، السياسية والإعلامية.. حتى جاء العدوان الاسرائيلي عام 2006 ليعيد من جديد ربط لبنان بوحدة المسار والمصير، وما تلاه من إنقسامات واعتصامات واشتباكات أربكت لبنان ولا تزال..

إنّ الفرق بين كل تلك التواريخ و9 تموز 2015 هو أنّ لبنان سابقاً كان دائماً هو المأزوم والمنقسم على نفسه في حين أنّ دول المنطقة آنذاك كانت مستقرة ومتماسكة، أمّا اليوم فإنّ الحرائق والدمار والقتلى والانقسامات والمجازر والتهجير والإبادة العرقية والدينية تملأ المدن والقرى والأرياف في كلّ من سوريا والعراق، بينما لبنان لا يزال هو الدولة الوحيدة التي لم تأكلها تلك النيران، حتى الآن وللمرة الأولى.

إنّ التاسع من تموز 2015 والدعوة مجدداً إلى الإقتتال والانقسام سيربط لبنان بحرائق المنطقة وليس باستقرارها. وبذلك يكون 9 تموز 2015 يوم العودة إلى وحدة المسار وسوء المصير..