IMLebanon

آخر المعارك!

المعركة ضد «داعش» العراقي في معقله الموصليّ شارفت على النهاية، على ما تقول الوقائع النارية المتدحرجة على مدار الساعة.. والتي يبدو أنها ستسبق الحسم المتوقع في معركة الرقة ضد «داعش» السوري برغم كون هذه أسهل وأخفّ وطأة ودماراً ودمويّة..

على أن القول، بأنّ الحسم في الموقعتين الجغرافيّتَين لن يحسم الحرب على الإرهاب، صحيح نظرياً لكن خارج سياق هذا النوع من الإرهاب. بحيث يبقى المجال الدموي مفتوحاً على مَدَيات متفرّقة بعنوان واحد (ديني تكفيري) لكن بمضامين مختلفة! أي سيبقى الإيراني والروسي يعتمدان على هذه البضاعة ذات المردود العالي! وسيبقى كل معتوه أو مأزوم أو منحلّ أو عبثي أو عنصري أو يائس يعتمد الشعار ذاته لإعلاء شأن جريمته وسفالته! وستبقى نغمة «الذئاب المنفردة» معتمدة في مدوّنة سلوك الدول الطموحة كبديل عن نواقص كثيرة أو مواجهات مباشرة خطرة ومكلفة وغير مأمونة العواقب!

لكنّ الحسم ضد «داعش» العراقي يحمل حسماً من نوع آخر: كأنّ الموصل هي المعركة الكبرى الأخيرة في الحرب التي بدأت مع الغزو الأميركي في العام 2003، ضدّ نظام «البعث» وصدّام حسين. والتي شهدت على مدى السنوات المنصرمة سلسلة محطات (كبرى) من الفلوجة الى تكريت الى سامراء الى الموصل أخيراً!

قبل «داعش» كانت «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، هي النقطة التي تلاقت عندها «جهود» جلّ «المقاومين» للوضع الناشئ. وهؤلاء كانوا خليطاً أساسه الفرق البعثيّة التي تولّت «المقاومة» بعد سقوط النظام، ووجّهت عملياتها باتجاه الأميركيين والبنية السياسية – المذهبية المستجدة معهم!

وكانت هناك «مقاومة» موازية! غذّتها ودعمتها غرفة العمليات الإيرانية – الأسدية. وركّزت ضرباتها ضد «المحتل الأميركي» قبل أن تنخرط في مواجهة مذهبية سافرة… ثمَّ قبل أن تفعل كل شيء لزعزعة الكيان السياسي الذي أنشأه «الاحتلال»، بما في ذلك استهداف مقامات دينية مقدّسة! (في كربلاء والنجف وسامراء)! ومراكز الحكم في بغداد نفسها، عدا عن تسعير حرب السيارات المفخّخة أينما أمكن ذلك وبغضّ النظر عن الهويّة المذهبية للضحايا!

المهم في ذلك، أنّ الإرهاب كان صنو «المقاومة» المدّعاة! وكان مردوده على مشغّليه أكبر وأوضح وأكثر تكثيفاً واختصاراً للزمن من الآليات التقليديّة الخاصة بـ«حروب العصابات» ضدّ «المحتل الأجنبي»!.. وكان ذلك صحيحاً، بشهادة خروج الأميركيين من العراق وانكسار «مشروعهم» فيه! وبدء مرحلة التمدّد الإيراني بالطول والعرض على مساحة الكيان العراقي، في حين أخَذَ بشار الأسد حصّته من تلك الكعكة من خلال تجفيف مصادر قلقه من الضغط الأميركي عليه لتحقيق مطالب وُضعت أمامه منذ العام 2003!

كان قتل الزرقاوي في 7 حزيران 2006 بدايةً لتصفية خلاياه أو ذوبانها داخل النسيج العشائري وتركيباته.. ولعبت تجربة «الصحوات» التي رعاها الجنرال الأميركي ديفيد بتريوس، دوراً كبيراً في تلك العملية تحت سقف افتراضي أنها ستعيد بعض التوازن الى تركيبة السلطة المركزية! لكن، نوري المالكي وبرعاية إيرانية مباشرة، تولى إجهاض كل ذلك الجهد وأقفل الأبواب أمام تبلور أهم فرصة من نوعها لـ«إنهاء» الحرب وبناء استقرار متين!

بقايا خلايا الزرقاوي، زائد بقايا «الصحوات» المجهضة والمطعونة بالظهر، زائد مَدَد السجناء الذين «هربوا» من سجن «أبو غريب» يُضاف إليهم مَن أُطلقوا من سجون بشار الأسد، ومعظم هؤلاء من أصول نظامية صدّاميّة، تمّ دمجهم في تركيبة سمّيت «داعش» محكومة بهرميّة في قمّتها ضبّاط بعثيون سابقون موصولون بغرفة عمليات مشتركة إيرانية – سورية! ويعملون وفق قاعدة تبادل الخدمات تحت سقف عدم الاصطدام المباشر!

أخذ «داعش» «دولته» وأخذ الإيرانيون والأسديّون جلّ ما طمحوا إليه: ضرب «الثورة» السورية وتشويه الإسلام الأكثري الذي تمثّله السعودية! والعضوية في نادي الدول «المحاربة للإرهاب»!.. وكان باراك أوباما من بعيد، يتفرّج على مشهد لا يعنيه كثيراً طالما أنّ الأساس عنده كان ضمان تشليح إيران مشروعها النووي!

انقلبت الآية مع دونالد ترامب وصارت الحرب «على الإرهاب» جدّية بل الهدف المركزي لإدارته! وانتهى بذلك، أو يكاد الاستثمار في «داعش»، وبدأت مرحلة جديدة، يُفترض أن تكون الموصل ثم الرقّة بعض عناوينها!

.. على هامش هذه المرحلة، يُسدل الستار الأخير، على «المقاومة» البعثيّة الصدّامية. وتنتهي آخر حروب «أم الحواسم» التي بدأت في ذلك الآذار من العام 2003!