IMLebanon

آخر «موديلات» البوسطات

 

بالرغم من المآخذ على قانون الإنتخاب فإننا نرى، من خلال الترشحات والترشيحات التي حفلت بها الأيام العشرة الأخيرة، أنّ هذا القانون حقق نقلة نوعيّة في المشهد السياسي اللبناني عموماً، إنطلاقاً من الإستحقاق الإنتخابي.

 

أولاً، وقبل أي أمر آخر، تكشفت الترشحات على أساس قانون النسبية، عن كسر جدار الكبت الذي كان يحجب وراءه الرغبة في الترشح والطموح الى العمل السياسي لدى أفرقاء كثر من مختلف الأجيال والإتجاهات. وهذا أمر لم يكن متاحاً في ظل القانون الأكثري.

 

ليس هدفنا في هذه العجالة إجراء مقارنة بين قانونين. ولكننا نود أن نسجّل حقيقة ملموسة. فهل كان ممكناً أن نتوقع، مع القانون الأكثري، أن نرى 111 سيدة يقبلن على الترشّح للإنتخابات النيابية؟ أكثر ما كان يمكن أن يحدث ترشح (بل ترشيح) أربع أو خمس سيدات على الأكثر وضمهنّ الى اللوائح الكبرى التي تضمن فوزهن ليس كونهن من السيدات، إنما كونهن صاحبات حظ (ولا نقول حظوة) لدى الزعماء من مشكّلي اللوائح، أو بعضها القليل. أما بموجب القانون النسبي فنحن أمام مشهد مختلف. فإذا المرأة تكسر القيد وتترشح. أي إننا أمام ترشّح بمبادرة ذاتية (عموماً) ولسنا أمام ترشيح بمبادرة من قادة «البوسطات» كما كان يجري في السابق.

 

هل يعني هذا (ونحن من داعمي ترشح السيدات) أننا نقدّر سائر الترشحات النسوية؟ الجواب بالطبع: لا! وإن كنّا نثمّن الحماسة، ورغبة المرأة أن تقول «شيئاً» من خلال النيابة وهي عاجزة، أو غير متمكنة، من قوله خارج مجلس النواب. أضف الى حقها المطلق في أن تكون حرة وقادرة على ممارسة حقها في أن تكون ناخبة ومُنْتَخَبَة في آن معاً، وهي مواطنة في هذا البلد الذي أعطى حقوقاً سياسية للمرأة قبل بلدان كثيرة في العالم، بما فيها سويسرا ذاتها..! قبل أكثر من سبعة عقود!

 

ولا نريد أن نحصر التغيير في المشهد بإقبال المرأة على الترشح. فالقانون الجديد خلخل «البوسطات» وأصابها إما بالجمود أو بالترهل والعجز عن خوض السباق بـ «راحة البال». وحتى الثنائي الشيعي الذي يملك «وسائل» تحكّم لا تتوافر للآخرين، يشعر بـ «مهابة» القانون النسبي. أما ما ظهر من ترشحات، وما لم يظهر بعد، وبالذات في إطار تشكيل اللوائح، فيبيّن بوضوح أن آخر «موديلات» البوسطات هي ما سنعاينه في هذه الدورة الإنتخابية. أما في الدورات اللاحقة، وإذا بقيت النسبية معتمدة سواء أبالصيغة الحالية في القانون أم بصيغة معدّلة، فلن يكون لـ «شوفير» البوسطة، في أي منطقة من المناطق، إلا الدور المحدود والفاعلية شبه المعدومة! فمن يستطيع أن يُنكر الصراع (غير المعلَن) القائم داخل كل طرف حول «الصوت التفضيلي»  يتساوى في ذلك زعماء اللوائح بسائر «الركاب» الذين يؤتى بهم لاعتبارات عديدة تراوح بين القدرة على زيادة الحاصل في صندوق الإقتراع و «الحاصل» في صندوق الإنفاق على «المعركة» الإنتخابية… وأمّا فصائل ما يُعرف بـ «الحراك المدني» الذي وجد في القانون النسبي مجالاً للتهافت (غير المدروس) على الترشح، فحديث آخر.