كان الأسبوع الماضي حافلاً بالأحداث الكبيرة التي لا بدّ من التوقّف عندها، من تفجير مسجد المَناصرة في الكويت الى عملية سوسة في تونس الى عملية ليون في فرنسا، بالإضافة الى التطورات على الجبهات الشمالية والجنوبية في سوريا، وصولاً الى ما شهدته القاهرة من تفجيرٍ أدّى الى اغتيال النائب العام ممّا تسبّب بإلغاء احتفالات 30/6 وهي ذكرى انتفاضة الشعب المصري التي أطاحت بحكم محمد مرسي، ثم المواجهات غير المسبوقة بين الجيش المصري والإرهاب في شمال سيناء، والتي اعتُبرت الأكبر حتى الآن حجماً وضحايا. هذا بالإضافة الى ما يحدث في ليبيا والعراق واليمن من تطوّرات مأساويّة، وصولاً الى متابعة الاتفاق النووي الايراني الدولي والذي يشهد ساعاته الأخيرة، وهو أمرٌ كان ولا يزال محلّ اهتمام القاصي والداني. ويبقى السؤال ماذا عن لبنان؟
إنّه من المضحك المبكي أنّ كلّ تلك الأحداث العظام وما تنبئ به من خرابٍ ودمارٍ وأهوال، لن تغيّر شيئاً في أداء بعض القوى السياسية في لبنان والتي لا تزال تعتقد أنّها تجلس على صفوف المتفرّجين في ميادين السباق، وتضع الرهانات على هذا الخراب أو ذاك من دون أن تدري أنّ كل طلقة رصاص تُطلَق من حولنا هي في الواقع جزءٌ من حياتنا اليومية، ولن يكون مصير لبنان بمنأى عن ازدهار الخراب في المنطقة.
أبدت بعض القوى السياسية شيئاً من الحكمة والخوف على لبنان، فكانت الدعوة الى مجلس الوزراء الأخير والذي انتهى بتجديد الصراخ والغوغاء والتهديد والوعيد ورفع الرهانات على أن خراب المنطقة سيكون في مصلحة هذا الفريق أو ذاك، مع الأسف الشديد.
أمّا بالنسبة الى الذين ينتظرون نتائج المفاوضات الايرانية- الدولية وما ستؤول إليه الأمور بعد الاتفاق الايراني- الأميركي، وبعيداً عن التعمّق في أصل هذه المفاوضات ومعناها وأبعادها، فإنّ الحقيقة هي أنّ كلّ ما حدث في السنوات الماضية، من خراب ودمار وتفكّك دول ونشوء أخرى، لم يكن سوى أوراقاً تفاوضية بين الدول الإقليمية والدولية، وإنّ ما سيكون بعد المفاوضات لا يشبه أبداً زمن التفاوض، لأنّ التاريخ يشهد أنّ أوراق التفاوض تحترق كلّها بعد توقيع الإتفاقات. وعلى القادة العظام في لبنان الذين يستسهلون الحديث عمّا بعد اتفاق إيران مع الخمسة زائداً واحداً، التأمّل العميق في أميركا ما بعد الإتفاق وفي إيران ما بعد الإتفاق، قبل أن يبنوا أوهاماً لبنانية على ذلك التفاوض وذلك الإتفاق.
إنّ ما شهدناه في الأيام الماضية من تصاعد للعنف في كلّ الأماكن التي ذكرنا ما هو إلاّ تمهيد لتعاظم الإنفجارات بعد الإتفاق، لأنّه من المعروف أنّ كل دول المنطقة، من تركيا إلى إسرائيل إلى دول التحالف الدولي ضد داعش، كانت محكومة جدّاً بضوابط التفاوض الذي حدّ من سلوكهم ومستوى تدخّلهم لمصلحة سير المفاوضات. وإنّ هذه الضوابط بكاملها سوف تزول بعد توقيع الإتفاق النووي بين إيران والخمسة زائداً واحداً.
إنّ إيران الدولة الموقّعة على الإتفاق مع المجتمع الدولي هي غير إيران على طاولة المفاوضات، وإنّ أميركا مع الخمسة زائداً واحداً هي غير أميركا الحريصة على نجاح المفاوضات، ولن يكون موضوع التفاوض حول النووي الإيراني موضوعاً بعد ذلك.
سوف تذهب إيران إلى الداخل الإيراني لتعالج نتائج السنوات الطوال من العقوبات والانهيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كما ستذهب الولايات المتحدة إلى الداخل الاميركي لتسويق الاتفاق والدخول في معركة الرئاسة القادمة التي تبدو ملامحها منذ الآن في غير مصلحة حزب أوباما الديموقراطي.
إنّ الذين يلوّحون بالانفجار في لبنان هم بدون شكّ قادرون على إطلاق الرصاصة الأولى في حرب لبنانية جديدة، ولكنّني لا أعتقد أنهم سيكونون قادرين على إنهاء هذه الحرب.. فإن إشعال الحرائق أمرٌ سهل، والكثيرون في لبنان قادرون على إشعالها لكنّهم على الأكيد أضعف بكثير من أن يكونوا قادرين على إطفائها. وإنّ الرهانات على النزاعات الكبرى هي غاية في الوهم والادعاء والاستحمار لعموم اللبنانين والعبث في أمنهم واستقرارهم.
وسيكتشفون من جديد مع الأسف الشديد أنّه يضحك كثيراً من يضحك أخيراً بعد الكثير من البكاء في لبنان.