IMLebanon

لافروف.. مجدداً

ثلاث جمل استثنائية في «دقتها»، وردت بالأمس على لسان سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، وكانت، على ما يُظن، من أندر ما قاله هذا الصقر الذي لا يزال يحلق في فضاء سوفياتي.. افتراضي!

الأولى، ان هجمات باريس الارهابية «ساعدت» الغرب على إدراك أن الأولوية هي لمحاربة «داعش» وليس إسقاط بشار الأسد! والثانية أن ما من سبيل لأي حل في سوريا من دونه! والثالثة أنه يمثل مصالح «شريحة كبيرة» من المجتمع السوري.

الأولى تشبه مطالعة محام فاشل أراد الدفاع عن موكله، لكنه بدلاً من تبرئته عجّل في إدانته! باعتبار أن أحداً من أهل الحصافة والمنطق في هذه الدنيا، لا يرى، أن الإرهاب الداعشي الراهن لم يفعل أي شيء في تاريخه القصير إلا وخدم بشار الأسد والمحور الحاضن له! من حروبه ضد المعارضة السورية، إلى تهميش صورتها والفتك بقيمها، إلى تظهير المعادلة المستحيلة القائلة بأن البديل عن الإرهاب الأسدي الأسود سيكون هذا الإرهاب العدمي الأكثر سواداً.. إلى تشويه صورة الإسلام الأكثري وبالعمق ومن داخله!

وقلّة من أهل الحصافة والمنطق، لا تزال تعاند في التعامي عن حقيقة يعرفها في كل حال، كل «المعنيين» بالنكبة السورية، وتقول ان المصادفات السعيدة تشبه ثلاثية العنقاء والغول والخلّ الوفي.. أي، يستحيل ان تصب كل ممارسات الإرهاب الداعشي في جيبة الأسد، تلقائياً أو صدفة! أو عفوياً! أو نتيجة تقاطع مصالح عابر، ليس إلا!

وبالتالي ما يمكن وضعه في خانة الافتراض في العالم الظاهر الخاص بالإعلام والتحليل السياسي، ليس سوى حقائق في العالم السفلي الخاص بالأجهزة الامنية المشتغلة بالنكبة السورية! ولا يمكن منطقياً، بانتظار «ويكيليكس» ما، إلا الركون الى نظرية ماسيّة مفادها ان هذا الارهاب الداعشي، في أصله وفصله، ليس سوى وليد شرعي لغرفة عمليات أهل الممانعة الأسدية، وان كل خطوة صادمة من خطواته، مدروسة بدقة توازي دقة عمليات جرّاح أدمغة! ولذلك، معه حق لافروف في الاستنتاج القائل إن ليل الجمعة الباريسي الاسود «خدم« بشار الأسد، انطلاقاً من تلك الزاوية القائلة بأن المصلحة هي أول خطوات المحققين للوصول الى المجرم..

أما الجملة الثانية، الحاكية عن ان لا سبيل لأي حل من دون الأسد، فهي في شكلها سلبية ومُناكفة وكيدية لكنها في مضمونها منطقية ولا تعني شيئاً غير ذلك.. باعتبار ان الطريق الى الحل لأي مشكلة لا يمكن ان يكون الا بمقاربة صاحب تلك المشكلة وليس غيره! و»الطريق» الى الحل، ليس ذاته هو «الحل»، تماماً مثل ثنائية الراحل محمود درويش، عن «البيت» و»الطريق إلى البيت»!

.. ثم ما الجديد في القول إن بشار الأسد يمثل «شريحة كبيرة» من السوريين؟ أم انه يقاتل بأهل بيته وحدهم؟! أو بأقاربه وحدهم؟! ولم يستخدم ولا يستخدم التجييش الفئوي والفتنوي الطائفي والمذهبي في حرب الحياة أو الموت التي يخوضها منذ أربع سنوات وبضعة شهور؟!

صقر الديبلوماسية الروسية يعرف (يقيناً) أكثر من غيره، أن صيغ الحلول المطروحة للنكبة السورية، تركّز على التركيبة السلطوية للأسد ولا تمس «الشريحة الكبيرة« التي يمثلها بالقدر ذاته! وأن ميزان الشرائح، إذا ما اعتدلت كفتاه، لا يبرر للسياسة الروسية كل سياساتها السورية المناهضة للشريحة السورية الأكبر! بل كان الأحرى والأجدى لها، ان تقول بوضوح، تبعاً للمنطق ذاته، إن للأكثرية الحق في حكم بلدها! علماً ان العصبة الأسدية رديفة للعصبة الصدّامية التي حكمت العراق، في اعتماد سياسات لا تفرق في استبدادها ومصالحها، بين أقلوي وأكثري!

.. على الرغم من ذلك كله، فان الشكر واجب لناظر الديبلوماسية الروسية، لأنه استفز، حتى مستر أوباما نفسه، وصولاً الى خروجه مجدداً، وبعد صمت مديد، إلى «التأكيد» بأن الحل في سوريا لا يمكن ان يتم مع الاسد، بل من دونه.