Site icon IMLebanon

لافروف و«داعش»

ليس حصيفاً ولا منطقياً ربما، الربط بين الجريمة المريضة التي استهدفت الكنيسة الكاثوليكية في روان الفرنسية وبين أحدث تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي قال فيها كلاماً لا يختلف في شيء عن كلام يمكن أن يقوله (أو يقوله) صويحف من الدرجة العاشرة يعمل في الماكينة الإعلامية الممانعة، ولا يتورع عن المساهمة في تعميم «فكرة» تقول إن «داعش» هذا هو الممثل «الشرعي» الوحيد للإسلام الأكثري والعربي الذي يستهدف الأقليات في المنطقة.. والعالم!

لكن لافروف نفسه يجعل ذلك الربط محكماً وهو الذي يعيد، مرة أخرى، تذكير العامة، بأنه ابن هذه المرحلة العصيبة بكل تداعياتها! والتي تكاد أن تجعل من عالم اليوم شيئاً شبيهاً بالمصحّة العقلية، لكن من دون ضوابط! ولم يكن ينقصها كي تكتمل، سوى اعتماد دونالد ترامب كمرشح لأخطر وأبرز منصب على وجه الأرض!

وللتوضيح: لافروف قال بالأمس إن جرائم «داعش» «لا تقتصر على المسيحيين فقط، وإنما هو (بالحرف) يقطع رؤوس الشيعة أيضاً(…) ويدنّس المزارات المسيحية والشيعية على حد سواء(…) ويريد إقامة دولة خلافة تمتد من لشبونه إلى باكستان».. بعد هذا، يصف وزير خارجية روسيا، المطالبين بإزاحة بشّار الأسد، بأنهم «أوغاد» و»أنذال»، تبعاً لقصورهم عن رؤية ما حلّ بالعراق وليبيا بعد صدام حسين ومعمّر القذافي!

المشكلة في هذا الكلام ليست في كونه صحيحاً أو خاطئاً أو تحريضاً أو تحريفاً مقصوداً أو عفوياً.. أو أنه «وجهة نظر» شعبوية خفيفة ولا تدلّ على منطق معقول، أو العكس! المشكلة في أن من يقوله هو وزير خارجية دولة مثل روسيا! تملك ما يمكن اعتباره واحدة من أقوى المؤسسات العسكرية في العالم، بل يملك ثاني أهم جيش بعد الولايات المتحدة، وثاني أهم بنيان للتصنيع العسكري بعد الولايات المتحدة، رغم «حجم» الصين وعديد جيشها!

وبالتالي، صعب جداً أن لا يشعر أي مقيم أو «معني» بما يحصل في هذه المنطقة! وانطلاقاً منها أو ركوباً على أمراضها وبلاياها، إلا بقلق إضافي واستثنائي وأخّاذ! باعتبار الخفّة المؤدلجة التي حوّلت المنطقة إلى حقل للموت العميم، وصلت إلى من يُفترض أنه أحد الملاجئ أو الملاذات الآمنة التي يتم اللجوء إليها، لإيجاد علاج للجنون الحاصل!

لافروف يقول اليوم، كما فعل أكثر من مرة على مدى السنوات الماضية، أنه في مكان ما قريب جداً من هذا الأداء العدمي والعبثي المدمّر! وأنه يكذب في السياسة مثلما يكذب «داعش» في ادعاءاته الدينية! وأنه عصابي في الديبلوماسية مثل العصابي المريض المهووس، الذي حمل الساطور لقتل صديقته الألمانية السابقة! أو الذي حمل السكين ودخل إلى الكنيسة في روان النورماندية ليذبح الكاهن فيها! وأنه (أي الرفيق لافروف) يُقارب قضايا شعوب الشرق الأوسط بطريقة لا تليق بمتدرّج في جهاز تعبوي أسدي أو إيراني!

سهل وسريع، تذكير لافروف هذا، الحريص على «المسيحية ووجودها» في المنطقة العربية المنكوبة، أن بلاده شنّت ولا تزال حرباً ظالمة وافترائية على أوكرانيا! إلاّ إذا كان الأوكرانيون في عُرفه مسلمين على أحد مذاهب أهل السنّة! وشنّت قبل ذلك حرباً صغيرة، (مذبحة سريعة!!) ضد جورجيا التي كانت ولا تزال مسيحية! إلا إذا كان الجورجيون في عُرفه أيضاً، مسلمين على أحد مذاهب أهل السنّة! وسهل وسريع أيضاً تذكيره بأن موسكو أرسلت يفغيني بريماكوف أحد أهم وأبرز ديبلوماسييها إلى بغداد في العام 2003 لإقناع صدام حسين بالتنازل عن الحكم واللجوء مع عائلته إلى روسيا!.. أي أن بلاده (الروسيا) ساهمت عن قناعة تامة في إنتاج منظمة «الأوغاد» و»الأنذال» التي يشكو منها وزير خارجيتها اليوم!

.. يذكّرني كلامه الجديد القديم هذا بكلام استثنائي (في وقاحته) قاله قبل سنتين أو أكثر، أمام وفد وزاري من دول الخليج العربي، وكرّره لاحقاً بطريقة علنية، وفيه أن سوريا «يجب أن لا تُحكم من قِبَل الأكثرية السنية»!! من دون أن ينتبه أو يلحظ أنه بكلامه هذا يطيح بكل اللغو الذي تعتمده بلاده وحلفاؤها لتبرير الفتك الوحشي بعموم السوريين، والذي يبدأ من رواية «منع سقوط سوريا» في أيدي المحور الأميركي الصهيوني! ويصل إلى محاربة «الإرهاب والتكفيريين»، مروراً بطبيعة الحال والبيان، بقصة «حماية المقاومة» وخطوط إمدادها.. إلخ.

هذا وزير لواحدة من أهم دول الأرض، لم يعد يجد أمامه لتبرير المذبحة الحاصلة في سوريا، سوى الكلام الديني العاري.. كأنه الوجه الآخر لِـ«داعش» لا أكثر ولا أقل!