يمكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن يقول محقاً أن «عمليات سلاح الجو الروسي» في سوريا ساعدت في «قلب الوضع» وتقليص مساحات سيطرة قوى المعارضة. فذلك قول محتوم، ولا أحد يناظر صاحبه فيه، وهو المشهود له بالتفاني في وظيفته وكل متطلباتها الإذاعية.. كما لا أحد يمكنه قول العكس، وإن كان «الادعاء أكبر من الوعاء». بمعنى، أن المناطق المحررة تقارب الثلثين من مساحة الجغرافيا السورية في مقابل شيء قريب من الثلث يخضع للسلطة شكلاً و»لمن استعادها» مضموناً، وخصوصاً لميليشيات إيران المذهبية، اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية.. عدا المحميات العسكرية الروسية التي تتطور نحو وضعية الدويلات المستقلة في حضن الدولة الواحدة المتبخّرة!
يستطيع لافروف، عشية مؤتمر جنيف، أن يدّعي محقاً أيضاً، أن ما استطاعت روسيا أن تفعله في غضون ثلاثة أشهر، عجزت عنه إيران على مدى خمس سنوات، هي و»مستشاروها» وجنرالات حرسها «الثوري» وميليشياتها المستوردة من كل حدب وصوب ومخازنها وأموالها وإعلامها وسياساتها.. وذلك أيضاً أمر لا يمكن مناظرة ناظر الخارجية البوتينية فيه، لأنه حقيقي أولاً ولأن إيران ثانياً لا تزال تفترض أنه لولاها لما بقي الأسد واقفاً على قدميه! وأن «دورها» العام في سوريا لم يتقلّص نتيجة الإنزال الروسي، بل بقي وازداد مناعة!
أي يمكن الافتراض بسعادة، أن الرفيق لافروف يخاطب الإيرانيين وليس غيرهم.. طالما أن غيرهم لا يحتاج إلى محاضراته التوضيحية أصلاً!
ويستطيع لافروف أيضاً الادعاء، أو بالأحرى، التحذير من أن «داعش» قد يعزز نفوذه في أفغانستان! ما يشي (بإذن الله!) بأن شهية موسكو مفتوحة على وسعها للمشاركة في «الحرب العالمية على الإرهاب» التي تقودها واشنطن. وأن الطبق الأفغاني المتوفر قد يساعد أيتام النظام السوفياتي الراحل، على إشفاء غليلهم إلى حد ما! وعلى الاستمرار في محاولة التداوي من عوارض الإسلاموفوبيا التي يعانون منها، طالما أن الفرصة سانحة بفضل «داعش» هذا، وتحت ستار محاربة الإرهاب.
لكن ما لا يقوله لافروف، هو أن سلاح الجو الروسي في سوريا، اشتغل منذ أواخر أيلول الماضي في وظيفة مزدوجة: واحدة لبلاده وأخرى لواشنطن. وأنه لولا الثانية ما أمكنه أصلاً أن يطمح إلى الخروج من مجاله الجوي، حتى لاختراق أجواء السويد او بريطانيا أو فنلندا.. أو تركيا بالمناسبة.
وما لا يقوله لافروف، هو أن الستين يوماً الأولى من «عمليات سلاح الجو الروسي» شهدت تكسيراً وتحطيماً لكل سيناريوات «التحرير» الكبرى التي وضعها المحور الممانع، بل كادت في الواقع أن تسرّع خطوات انهيار بقايا السلطة وليس العكس، وبفعل صواريخ «تاو» والمجازر الفعلية التي ارتكبتها في حق دبابات وآليات ومجنزرات قوات الأسد والميليشيات الإيرانية في كل منطقة حاولت استعادتها!
أعادت واشنطن إقفال مخازن «التاو» (وغيره) فأمكن تحقيق مكاسب ميدانية سمحت للوزير الفصيح لافروف بقول ما قاله بالأمس! وأقفلت واشنطن «أبواب» الجبهة الجنوبية فأمكن للمحور المضاد للشعب السوري، أن يخترق «الشيخ مسكين»! ولن يطول الوقت على ما يُقال، قبل أن تقرر غرفة عمليات الممانعة أن وظيفة تسليم تدمر إلى «داعش» بكل ما فيها من سلاح وذخائر وبنى عسكرية، قد استنفدت، ولا بد من «تحرير» المدينة وإعادتها إلى «حضن الوطن»!
والواضح حتى الآن، أن هذا المشهد السوريالي، مرسوم على المسطرة! من قبل اليد الأميركية! وبمجرد أن لاحظت واشنطن، أن الروس حاولوا، مثلاً، التسلل أو الاستطراد باتجاه أبعد من حدود تلك المسطرة، إلى القامشلي تحديدا،ً حتى تحركت على الناعم! فإذ بموسكو تنفي أي نيّات لها، لإقامة مطار آخر، أو أي شكل عسكري خارج حدود الملاذ الشمالي الآمن!
وذلك كله على طريق «الحل السياسي» الذي يسمح للوزير الروسي بأن يتطاوس.. ومرحلياً على كل حال!