خلال اللقاء الصحافي الذي استمرّ نحو ساعتين، لم يتوقف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن تأكيد صوابية المواقف الروسية وثباتها خصوصاً في ملفات الشرق الاوسط المعقَدة والعلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية.
يرى مراقبون أنّ إعلان لافروف أنّ العدو الرئيس لروسيا هو تنظيم «الدولة الاسلامية»، يعتبر إشارة واضحة الى أنّ موسكو في صدد إنجاز خطة محدَّدة لمواجهة «داعش»، خصوصاً أنّ خطر هذا التنظيم بات يُهدّد أمنها، نظراً لكثرة أعداد المقاتلين الروس في صفوفه في سوريا والعراق.
وبما أنّ القضية تمسّ الامن الروسي فإنّ موسكو ستضرب حتماً بيد من حديد في اعتبار أنّ تجاربها السابقة مع الإرهابيين أكان في عملية احتجاز الرهائن في مسرح موسكو عام 2002 التي انتهت بمقتل 170 شخصاً، أو عملية احتجاز طلاب مدرسة بيسلان عام 2004 التي أدت الى مقتل اكثر من 320 شخصاً من بينهم 186 طفلاً، قد اثبتت أنّ الحوار لا يندرج في القاموس الروسي مع المتطرفين، بغضّ النظر عن الكلفة البشرية.
بالطبع فإنّ لافروف لم يترك قضية «داعش» مفتوحة، فبعدما حدّد هوية العدو لم يتوانَ عن تحديد أسباب نشوئه، والطرف الذي لعب الدور الأساس في تهيئة الظروف المناسبة لظهور هذه الحال الارهابية، فاعتبر أنّ السلوك الاميركي في العراق هو الذي أدّى الى ظهور تنظيم «الدولة الاسلامية»، وذهب أبعد من ذلك ليتّهم واشنطن بالتستّر على نشاط هذا التنظيم من خلال رفضها إقتراحاً روسياً يقضي بإدراج «داعش» على قائمة المنظمات الارهابية للأمم المتحدة.
لافروف عرّج أيضاً على الازمة اليمنية. فعلى رغم ترحيبه بقرار التحالف الذي تقوده السعودية وقف العملية العسكرية، إلّا أنه أكد أنّ التنظيمات الارهابية في اليمن ولا سيما منها «القاعدة»، قد استغلت الفوضى التي نتجت عن غارات عملية «عاصفة الحزم»، وتمكنت من السيطرة على مواقع عسكرية مختلفة في بعض المحافظات.
وكما جرت العادة فإنّ سوريا لم تغب ايضاً عن حوار لافروف الإعلامي، إذ إنه اعتبر أنّ الحراك الديبلوماسي والسياسي الروسي في هذا الشأن هو الذي أوقف تكرار السيناريو الليبي، مؤكّداً أنّ بلاده لم ولن تسمح بإصدار أيّ تفويض في مجلس الامن الدولي للتدخل الخارجي.
وفي ما يتعلق بإيران، فعلى رغم أنّ رجل الديبلوماسية الروسية الاوّل جدَّد التأكيد أنّ توريد روسيا منظومة صواريخ «إس 300» الى إيران لن يخلّ بموازين القوى في المنطقة ولا يشكل تهديداً لأيّ بلد فيها.
إلّا أنّ لافروف وجّه رسالة واضحة لمَن يهمّه الامر، وذلك بدعوته مَن يرغب بمهاجمة الجمهورية الاسلامية، الى التفكير ملياً قبل الإقدام على هذه الخطوة بعد أن تتسلّم طهران المنظومة الروسية المضادة للصواريخ والطائرات، ما يعني أنّ موسكو ترى في طهران حليفاً استراتيجياً، بعدما بدا واضحاً لها أنّ هناك مَن يعمل على إعادة رسم خريطة المنطقة.
لذلك فإنّ المرحلة المقبلة ستكون حبلى بمواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين في كلّ المجالات، خصوصاً أنّ لافروف كشف المستور عن عمق التوتر في العلاقات مع واشنطن، إذ إنه أعاد أسباب تفجّر كلّ الملفات الدولية الساخنة في اليمن وسوريا والعراق وأوكرانيا وغيرها الى التعنّت الاميركي، ما يشير الى أنّ خريطة المواجهة بين القطبين الدوليَين ستتوسّع وستتّخذ أشكالاً اخرى في المرحلة المقبلة.