IMLebanon

لافروف «يتفهّم» سلام وروحاني «يتهرّب» من هولاند

رغم الأجواء «القيصرية» التي أشاعها رئيسه فلاديمير بوتين في أروقة الأمم المتحدة، كما في القمّة الاستثنائية التي جمعته مع نظيره الأميركي باراك أوباما، تعمّد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسية، إضفاء جوّ حميم على لقائه مع رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، أكثر من لقائهما السابق في ميونيخ العام الفائت.

ربّما ظنّ سلام في اللحظات الأولى أن «حرارة» اللقاء يمكن أن تفتح ولو نافذة أمام مسعى جدّي لانتخاب رئيس للبنان، قبل أن يتبيّن أن الدبّ الروسي «متفهّم» لا أكثر لضرورة إتمام الاستحقاق اللبناني، لكن عينه لا تحيد عن أولوية واحدة: سوريا.

اللقاء الذي جَمَع الرجلين في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 أيلول الفائت، جاء بعد يوم واحد من القمة الأميركية الروسية، وقبل يوم واحد من انطلاق الغارات الروسية فوق سوريا.

أراد لافروف، يقول مشاركون في اللقاء، إظهار بلاده «قوة إيجابية» في المنطقة هدفها الأول والأخير «محاربة الإرهاب». استرسل في تبرير سياسة بلاده في سوريا بوصفها ضدّ داعش، وعرض بتأنٍّ لنتائج لقاء بوتين أوباما الذي توقّع نظيره جون كيري أن يثمر اتفاقاً خلال أسابيع: «القمة كانت إيجابية، لكن الأمور ليست بهذه السرعة. لو توصّلنا الى اتفاق بشأن سوريا فإن ترجمته تحتاج الى اتفاقات إقليمية (السعودية وإيران)، كما تحتاج أيضاً الى توافق بين الأطراف السوريين أنفسهم وهذا يحتاج الى وقت، لا تزال الأمور في بداياتها».

حتى إذا سئل عن مدى اقتراب الجانبين بعضهما من بعض في النظرة الى «المرحلة الانتقالية» في سوريا، جاء جواب الوزير الروسي مشابهاً للأول: «لا يمكننا أن نقرّر بدلاً من السوريين، هذا شأن سوري داخلي. سلّم الأميركيون بمرحلة انتقالية مع (بشار) الأسد، لكنهم يصرّون على معرفة كيف تنتهي مع الأسد. لكن ذلك يعود للسوريين، هم يقرّرون ولا يمكننا الإجابة عنهم».

قبل أن يغوص لافروف في تكرار لازمة «حماية الأقليات» في المنطقة التي طالما ركّز عليها، مشيداً بتجربة لبنان في هذا الخصوص، ومتباهياً بكون بلاده تلعب دور الحامي الجديد للأقليات، أفرغ الرئيس سلام ما في جعبته من هواجس داخلية وفي مقدّمها الشغور الرئاسي. عرض لأمثلة عن نتائج هذا الشغور ومخاطره، مكرراً الدعوة الى مساعدة اللبنانيين في الوصول الى تسوية في هذا الملف وانتخاب رئيس توافقي، «تفهّم» لافروف وجهة نظر سلام، وأبدى استعداداً (عاماً) لمساعدة لبنان.. ومشى.

هذه النتيجة نفسها انتهى إليها لقاء ثانٍ على هامش الجمعية العامة، تطرّق الى الاستحقاق اللبناني، بين الرئيسين فرنسوا هولاند وحسن روحاني. الرئيس الفرنسي محامي الدفاع الدولي عن ضرورة انتخاب رئيس للبنان أطلع الرئيس سلام على نتائج هذا اللقاء: «أثرت موضوع الاستحقاق الرئاسي مع الرئيس الإيراني، شرحت له مخاطر استمرار لبنان بدون رئيس وانعكاسات ذلك على استقرار البلد والمنطقة. روحاني أكد لي حرص بلاده على استقرار لبنان لكنه تجنّب الغوص في موضوع الانتخاب وتمنى عليّ استكمال البحث في هذا الموضوع أثناء زيارته لباريس منتصف تشرين الثاني». أضاف هولاند لسلام: «لا تقلق دولة الرئيس نحن نتابع هذا الملف ولن نتخلّى عن لبنان».

لم يفاجأ رئيس الحكومة، طبعاً، بمواقف الجميع وغيرهم من الذين التقاهم، لكن انطباعاته بأن لبنان لم يعد حاضراً في أية أجندة دولية تعززت، وهي انطباعات عاد بها أيضاً وزير الخارجية جبران باسيل الذي أعلن أن أحداً لم يعد يعطي الأولوية للبنان في هذه المرحلة.

في أي حال هذه الانطباعات ليست مستجدّة، بعد أن فرض «الربيع العربي« الذي انطلق العام 2011 تعديلات جوهرية في أولويات المجتمع الدولي تجاه المنطقة، فكم بالحري بعد حرب اليمن والتدخّل العسكري الروسي في سوريا الذي تزامن مع انتهاء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

حتى فلسطين كانت الغائب الأكبر عن الجمعية هذا العام رغم الرمزية التي مثّلها رفع علمها أمام مقرّ الأمم المتحدة. ألم يكن لافتاً للانتباه ان كلاً من خطابَيْ أوباما وبوتين أمام الجمعية العامة لم يأتيا ولو بكلمة واحدة على ذكر فلسطين أو اسرائيل، يتساءل ديبلوماسي عربي معتمد في نيويورك؟

لكن ذلك يطرح سؤالاً محدّداً في بيروت: إذا كان الأفق الرئاسي (والسياسي عموماً) مسدوداً في الخارج كما في الداخل، فإلى أين؟