Site icon IMLebanon

لافروف – ظريف… ملء الوقت السوري المستقطع!

الحراك الديبلوماسي الدولي والإقليمي في الإقليم، يوازن الحراك الميداني في الميدان السوري وجواره، في ما يشبه السعي المشترَك إلى تثبيت مكاسب على مبدأ خُذ وطالِب.

إذا كانت موسكو تتصدّر المشهد، بحراك وزير خارجيتها سيرغي لافروف، ونائبه ميخائيل بوغدانوف، من العاصمة القطرية الدوحة، الى نظيرتها الايرانية طهران، فإنّ الاخيرة تسابق في ميدانها الأرحب الى بيروت ودمشق مروراً بمسقط. والهدف الاوّل، أسد سوريا الواهن!

أولويات كلّ مِن موسكو وواشنطن وأنقرة وطهران والرياض، ليست في الخانة الواحدة، وإنْ كانت تحت شعار واحد: إنقاذ سوريا من أزمتها، لذا الطُرق إلى الهدف تتقاطع حُكماً، إنّما لم تَرسُ بعد على برّ أمان واعِد، ويمكن رصدُها في المحاورالخمسة.

الأوّل: مكّوكية لافروف – بوغدانوف، الأوسطية، تحاول تثبيتَ معادلة حفظ مؤسسات النظام السوري، وتحويل الحرب الى مواجهة الارهاب الداعشي وأخواته، والإبقاء على ورقة رئاسة الأسد ومستقبله، للمساومة في المحطة الأخيرة عند إبرام الصفقة الكبرى، في ختام عذاب سوريا.

الثاني: حراك كيري الممَهّد لليوم التالي بعد الاتفاق النووي مع طهران، يُعبّر حتماً في بيان جنيف وصلاحيات الحكم الانتقالي في سوريا، من دون الأسد شخصياً، حيث إنّ المرحلة قد تمتدّ الى سنتين، وقد يَقبل خلالها بدور مرحليّ يُختَتم برحيل الأسد وبطانتِه.

الثالث: أنقرة التي عاوَدت تلقّفَ أوراق الإقليم بحذر، ترسم منطقتَها الآمنة، بعمق خمسين كيلومتراً، داخل سوريا، ومحورها بلدة أعزاز، خالية من المتشددين، وقد انتزعَت لهذه الغاية موافقةَ إدارة اوباما، في مقابل تسهيل عمل التحالف انطلاقاً من قاعدة «انجرليك» الجوّية، على أن تتوسّع العمليات ضدّ «داعش» والعمّال الكردستاني على مسافة واحدة… والمسألة الأخيرة جوهرية في القضاء على أيّ حلمٍ كرديّ في سوريا، على غرار كردستان العراق، لِما لها من تداعيات على أكراد تركيا، بدلالة وزنِهم الطارئ في برلمان أنقرة، مع تسعة وسبعين نائباً.

الرابع: الترجمة الإيرانية للقضم السياسي، تعبر في جولة الوزير محمد جواد ظريف، لتحويل كلّ المواجهة الى حرب إقليمية على الإرهاب، في مقابل تسويق الأمر الواقع الايراني، الذي يكابر على مستقبل الأسد في ما تبقّى من سوريا، باعتبارها الورقة الرابحة (أقلّه حتى الآن) في سياسة التشَدّد.

وهذا المسعى المتصلّب، برداء الديبلوماسية المرِنة، لا يخفي مزيداً من القساوة الميدانية العسكرية، لتثبيت معادلة الخطة «باء» بحفظ النفوذ والحلف مع الأسد والنظام و»حزب الله».

الخامس: نزول الرياض بلباس الميدان الى ساحات الإقليم، متّكئة إلى انتصارات في اليمن، لرأب الخاصرة الرخوة، ومماشاة موسكو في سعيها السِلمي، لحلّ معتدل في سوريا، إنّما انطلاقاً من حتمية بيان جنيف الاوّل بمرحلة انتقالية مع حكومة ذات صلاحيات واسعة، ترث نفوذ الأسد… ويلاحظ هنا أنّ زيارة علي المملوك الى الرياض، بدت حاسمة في ضرورة انتهاء دور الأسد في مستقبل سوريا، في مقابل حفظ أجهزة الدولة «البعثية»، تفادياً لانهيار مماثل لِما شهدَه العراق بعد «بعث» صدّام حسين.

التناقضات بين المحاور الخمسة، لا تحجب تقاطعات قابلة للبناء على إيجابياتها، فموسكو لم تعد متمسكة بورقة الاسد الى الابد، وليس عبثاً ما نقله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، عن نظيره الروسي فلاديمير بوتين، انه غير متمسك بالاسد، وليست اولى مرات هذا الموقف، وفحواه أن رئيس النظام السوري بات ورقة مساومة في طروحات موسكو، الراغبة في ترسيخ دورها بسوريا، ونيل اعتراف غربي فيه، يعيد ماء الوجه ويعوّض الخسارة المتوقعة في أوكرانيا وبقية المنظومة المتاخمة الساعية الى الانطواء تحت قبة الناتو.

وحدها طهران تواظب في اجندتها السرية- المعلنة، فاستثمارتها الهائلة في نظام الاسد، على مدى نيف وثلاثة عقود، بدءاً من الاب، الى الابن. وما يمكن أن تحصده راهناً، متواضع، لكنّه محسوب في ترسيخ الخطة باء في سوريا، فالمشروع التشيعي يربط مصائر عدة في بوتقة واحدة، عمادها الاسد «حزب الله»، وهي ورقة ثمينة لطهران، حين تدخل بغداد في نفق التوازن بين مكونات العراق: شيعة وسنّة واكراد. وحين ينكفئ الحوثي، محاصراً، الى صعدة اليمنية، وحين صارت ورقة «حماس» في مقلب مواجه مع تطرّف سيناء.

في المحصّلة، تتّسع الساحات السورية لمزيد من الحروب الصغيرة والكبيرة، أوسعها مساحة وأكبرها دلالة، الضغط الذي تلعبه فصائل المعارضة على تخوم المناطق الدفاعية الأخيرة في سهل الغاب، قبالة القرداحة، ومدلولاتها، حيث يُصِرّ الأفرقاء على ترسيخ رسم حدود النفوذ بسخونة، لإفهام الأفرقاء المتشبثين أنّ الميدان له مساحاته أيضاً في إسقاط خطوط حمر وهمية، ما دامَ الأسد و»حزب الله» والميليشيات المساندة، أعجز من تأكيد الصمود في هذا المحور.

وفي المحصّلة أيضاً، مِن المبكر التسليم بالمعادلات الراهنة… فجَولات الختام لا تزال بعيدة، والحراك الديبلوماسي يَملأ الوقت المستقطع بين مرحلة عسكرية وأخرى.