IMLebanon

العدالة أعلى من القانون

 

يشبه “التظاهر السلمي” الذي يطالب مسؤولو السلطة الفاسدة المواطنين بالتزامه، مفهوم “الحرية المسؤولة” الذي يريد المتسلطون أن يحكم عمل الإعلام. وفيما يريد الأول حصر المحتجين في الساحات والإستعراضات بما يشبه الـ”كرمس” الترفيهي، يسعى الثاني جاهداً إلى ضبط اللغة تحت سقف التضمين والالتباس بحيث لا يُفتَضح المرتكبون، فلا نسمّي سارقاً بالاسم، ولا نتّهم محتالاً إلا إذا امتلكنا وثائق. وكلنا واثقٌ بأنّ السرقة مقوننة وأنّ “السيستم” يحمي “الحرامية”، وأن القضاء المستقلّ حلمٌ بعيد المنال.

 

وفي الحالتين يقف القانون بالمرصاد. فالويلُ لمن اقتلع شجرة أو كسر بلاطة في ديكور “مدينة نحو المستقبل”، والثبور لـ”ابن ريف” انتهك حرمة “صراف آلي” في “بيروتنا”، وعيب ان يقال للرؤساء والوزراء والنواب ومن لفّ لفهم “هيلا هيلا هو”.

 

وعلى هذا الأساس تكون يافطة “تطبيق القانون والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة وتأمين حق المرور” الحجة الجاهزة للقمع، فيصبح الثائرون الذين انتظروا أكثر من ثلاثة أشهر لإسماع صوتهم “مرتزقة” بعدما صُنّفوا قبل شهرين “قطاع طرق” لاستخدامهم الوسيلة تلك لتحقيق المطلب الأول باستقالة سعد الحريري.

 

مشهد العنف والتكسير يؤلم الجميع، لكنّه طبيعي وعادي في سياق مواجهة سلطة غاشمة تتجاهل “انتفاضة مباركة” حسب وصفِ البطريرك الراعي، وتعاونت مع “الثورة المضادة” على قمعها في مناطق نفوذ أحزاب السلطة. ومؤلم أيضاً أن نرى عناصر قوى الأمن أو الجيش جرحى في المستشفيات. بيد أنّ الأمر لا يقاس بالعواطف. فالعنف الذي يمارس في جل الديب والزوق وذاك الذي يقتلع عيون المتظاهرين في وسط بيروت اعتداءٌ موصوف حتى ولو جاء تحت عنوان “تطبيق القانون”. لأنّ لا نسبة وتناسب بين العنفين المتواجهين أولاً، وثانياً لأنّ “العسكر المظلوم” يُنفذ إرادة فاسدين اعتدوا على المواطنين بقطع أرزاقهم وسرقة أموالهم وأحلامهم بالتواطؤ مع السلطة المصرفية. ثالثاً، لأن العدالة أعلى من القانون ولا قيمة لأي قانون لا يؤمّنها.

 

وبما أنّ العدالة والحق في جانب ثورة الشعب اللبناني المطالبة بدولة القانون ووقف الهدر والسرقات والمواطنية بدلاً من الطائفية والزبائنية، فإنّ العنف الذي يمارسه الثوار مشروع أخلاقياً. وما على القوى الأمنية إلا تحمُّل وزر الموقف الصعب الذي وُضِعت فيه. وللقيادات أن تستقيل إن لم تشأ التحوّل جزءاً من منظومة القمع.

 

حان وقت الوضوح. ولتتوقف سذاجة الشاشات وخبثها بوصف المتظاهرين بـ”المشاغبين” وسؤال بعضهم بتفاهة: ألستم مَن بدأ بإلقاء الحجارة؟ وكفى تفجعاً على “البارك ميتر” وعلى بضعة أمتار مكعبة من الأحجار أو على حفنة واجهاتٍ لمصارف صادرت أموال الناس.

 

هذه ثورة اللبنانيين. وعنف المتظاهرين يُدرج حتى الآن في إطار “سلمية” التظاهر. أنظروا الى “السترات الصفر” في فرنسا. تبادلوا العنف مع السلطة. لم يخوّنهم أحد ولم يَثُر أهل باريس دفاعاً عن زجاج متاجر الشانزليزيه، لأنّ فرنسا دولة قانون ويحكمها مسؤولون محترمون وذوو أخلاق… وهو ما نفتقده. أليس كذلك؟